المراد بالأولويّة في المقام هو الوجوب و التعين، نظيرها في قوله تعالى (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)[1]، إذ لا معنى للحكم بجواز الأمرين من العمل بالتأويل و الرجوع إلى المرجحات بحيث يكون المجتهد مخيرا بينهما، بل مع إمكان الجمع يتعين التأويل و الأخذ بهما، لأنّ دليلهم على فرض تماميّته يدل على التعيين، و هذا إذا كان المراد الجمع الحقيقي المثمر في مقام العمل، كما هو المفروض، و أمّا الجمع التبرعي الذي يصنعه الشيخ في الإستبصار، و هو الذي نسميه بالجمع الاحتمالي فهو على وجه الأولويّة لا التعيين، لأنّه إذا بنى عمله على أحد الخبرين لرجحانه فالأولى أن لا يطرح الخبر الآخر بالمرّة، بل يذره في سنبله، و يجعل له محملا، و إن لم يكن بانيا عليه في مقام العمل.
و قد يحمل على ما هو موافق لدليل آخر، فهو و إن كان يبني عليه في عمله لكنّه في الحقيقة عامل بذلك الدليل، و ليس معوّلا على هذا الخبر المؤوّل، كما هو واضح
و هو ما إذا حكم العرف- بعد ملاحظة الخبرين فرض صدورهما معا- بأنّ المراد منها كذا بالتأويل في أحدهما بإرجاعه إلى الآخر أو بالتأويل في كليهما بإرادة معنى ثالث منهما، أو بحمل كل منهما على معنى آخر غير ما هو ظاهره بحيث يرتفع التنافي بينهما.
الثانية: الإمكان بشاهد من عقل أو نقل،
كما لو فرض عدم فهم العرف كونهما أو أحدهما قرينة على الآخر، كما في الصورة الأولى، لكن كان العقل حاكما- على فرض صدورهما معا- أنّه لا بدّ أن يكون المراد كذا، أو كان هناك خبر ثالث شاهد للجمع مثلا، إذا دلّ أحد الخبرين على القصر في أربعة فراسخ، و الآخر على الإتمام