فاعلم [1] أنّه ذكر جماعة أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن خير من الطرح، و أنّ الرجوع إلى سائر أحكام التعارض إنّما هو في صورة لا يمكن الجمع بينهما، بل عن صاحب الغوالي دعوى الإجماع عليه [2]، قال على ما حكي عنه [3]: إنّ كل حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولا البحث عن معناهما، و كيفيّة دلالة ألفاظهما، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل و الدلالات، فاحرص عليه، و اجتهد في تحصيله، فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما و تعطيله، بإجماع العلماء، و إن لم تتمكّن من ذلك و لم يظهر لك جهة، فارجع إلى العمل بهذا الحديث- يعني مقبولة عمر بن حنظلة- [4]؛ و تحقيق الحال في هذا المقال يقتضي ذكر أمور:
الأول: [بيان صورتي الجمع]
إنّ الجمع بين الدليلين يتصور على وجهين:
أحدهما الجمع الدلالي؛
و هو التصرف في الدلالة بحيث يرجع أحدهما إلى الآخر أو كلاهما إلى معنى ثالث، بحيث يرتفع التنافي بينهما بعد التصرف.
الثاني: الجمع العملي؛
بأن يؤخذ بهما في مقام العمل مع إبقاء دلالتهما على حالها لا مجرّد العمل بهما، و لو كان بالتصرف في دلالتهما، فإنّ التصرف في الدلالة مقدمة للعمل، و كلّ جمع دلالي يستتبع العمل، فالمراد بالجمع العملي هو العمل بهما، و لو بالتبعيض في مدلولهما، مع الإغماض عن التصرف في دلالتهما، مثلا إذا قال أكرم العلماء و قال أيضا لا تكرم العلماء فمرّة يقال المراد بالعلماء في الأوّل