الأول: الأحكام الوضعية الواقعة موضوعاً لحكم شرعي تكليفي‌

و هي تلك الأحكام التي يكون الحكم التكليفي فيها مترتباً عليها ترتب المعلول على علته: من قبيل الملكية التي تقع موضوعاً لجملة من الأحكام التكليفية كحرمة التصرّف في مال الغير بدون إذنه؛ فإن مثل هذا الحكم التكليفي أعني: حرمة التصرّف، موضوعه المال الذي يحكم بكونه ملكاً للغير المعبّر عنه ب- (الملكية) التي هي نوع من الأحكام الوضعية، فلولا حكم الشارع بملكية الكتاب لزيد- مثلًا-، لما حرم على غيره التصرف فيه، و لما احتيج إلى إذنه في التصرف، و كذلك الزوجية، فهي أيضاً من الأحكام الوضعية التي تكون موضوعاً لأحكام تكليفيّة عديدة، من قبيل جواز التمتع بالزوجة، و وجوب التمكين عليها، و وجوب الإنفاق عليها من قبل الزوج، و غيرها من الأحكام. فإن كل واحد من هذه الأحكام- جواز التمتع و وجوب التمكين و وجوب الإنفاق- مترتب على ذلك الحكم الوضعي و هو الزوجية، فما لم يحكم على المرأة الفلانية بأنها زوجة لفلان لما جاز له التمتع بها و لما وجب عليها التمكين له و لما وجب عليه الإنفاق عليها، فلولا تشريع و جعل هذه العلقة المسماة بالزوجية بين الرجل و المرأة، لما ترتب مثل هذه الأحكام، و هكذا بقية الأحكام الوضعية الأخرى كالرقية و غيرها.

الثاني: الأحكام الوضعية المنتزعة عن الأحكام التكليفية

من قبيل الجزئية و المانعية و الشرطية و السببية و غيرها، فجزئية السورة مثلًا في الصلاة منتزعة من جعل الأمر بالمركب منها و من غيرها؛ فلو أمر المولى بالصلاة المركبة من أجزاء كالركوع و السجود و التشهد و قراءة الفاتحة و السورة و التسليم و غير ذلك، فإننا سوف ننتزع من ذلك الأمر حكماً وضعياً بلحاظ كل جزء من هذه الأجزاء يسمى بالجزئية. و لو قال المولى: «لا تصلِّ فيما لا يؤكل لحمه»، انتزعنا حكماً وضعياً آخر، و هو مانعية لبس ما لا يؤكل لحمه في الصلاة، و من قوله «إذا زالت الشمس فصلّ الظهر»، ننتزع حكماً وضعياً و هو سببيّة الزوال لصلاة الظهر، و من قوله: «استقبل القبلة في صلاتك»، انتزعنا شرطيّة الاستقبال ... و هكذا. فهذه جملة من الأحكام الوضعية المنتزعة عن الأحكام التكليفية.