تلك الطريقية، فسوف يكون طريقاً إلى مجعوله أيضاً؛ لأن انطباق الجعل على موضوعه الخارجي بعد تحققه أمر قهري، فلو جعل الشارع الحرمة على الخمر، و علمنا بذلك الجعل، فلا شك في تحقق المجعول و القطع به عند القطع بأن هذا المائع خمر، فيصبح المكلف قاطعاً بالمجعول، و تتنجّز عليه الحرمة، و لا يعقل سلب المنجّزية عن القطع بالمجعول بعد حصول ذلك القطع، و هذا ما كنا نتكلّم عنه في حجية القطع، أما إذا تم تحويل القطع من كونه طريقاً إلى كونه موضوعاً للحكم الشرعي، بحيث يكون للقطع بالجعل الشرعي من هذا الطريق أو ذاك و عدمه، مدخلية في ثبوت المجعول و عدمه، فحينئذٍ يعقل أن يكون المكلف قاطعاً بالجعل، و مع ذلك لا يثبت في حقه المجعول.

إذن إبطال طريقية الدليل و حجّيته حتى لو كان قطعياً، تتم عن طريق تحويل القطع من الطريقية إلى الموضوعية. ( [1] 1) هذا تمام الكلام في المقام الثاني.

المقام الثالث: في بيان الكيفية المحققة لذلك‌

قوله (قدس سره) ص 84: (بأن يؤخذ عدم قيام الدليل الخاص ... الخ).

بعد أن تبيّن إن الشارع يمكن له التدخل لإبطال طريقية الدليل، و ذلك بتحويله من الطريقية إلى الموضوعية، بقي علينا أن نعرف الكيفية التي يمكن معها تحويل القطع من الطريقية إلى الموضوعية، فنقول:

إن الكيفية التي يحصل بها ذلك، هي أن يؤخذ عدم قيام الدليل الخاص على الجعل الشرعي قيداً في موضوع الحكم المجعول في ذلك الجعل.

و من المعلوم أن المجعول تابع في فعليته لفعلية قيوده التي أخذت في مقام الجعل، و القيد في المقام هو عبارة عن (عدم قيام الدليل الخاص)، فلو قام الدليل‌

[1] (1) هذا الطريق سلكه الشيخ الأنصاري في مقام توجيه كلمات بعض المحدثين القائلين بعدم حجّية القطع الناشئ من المقدمات العقلية، فقد قال في فرائد الأصول: ج 1، ص 25- عند ردّه لهذا القول- ما نصّه:) إلّا أن يدّعى: إن الأخبار المتقدمة و أدلة وجوب الرجوع إلى الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، تدلّ على مدخلية تبليغ الحجّة و بيانه في طريق الحكم، و إن كل حكم لم يعلم من طريق السماع عنهم (عليهم السلام) و لو بالواسطة فهو غير واجب الإطاعة، و لكن قد عرفت عدم دلالة الأخبار (.