و بعد الانتهاء من تلك المقدمة التي تبيّن غرضها بوضوح، ندخل في أصل البحث عن وفاء الدليل بدور القطع الطريقي و الموضوعي، فنقول: إن الدليل الدال على الحكم الشرعي، تارة يكون قطعياً، فيؤدي إلى القطع بالحكم الشرعي، و يكون حجة من باب حجيّة القطع، و أخرى يكون ظنياً قد جعله الشارع حجّة، كما في الأمارات.

أولًا: وفاء الدليل القطعي بدور القطع الطريقي و الموضوعي‌

قوله‌ (قدس سره)‌ ص 77: «إذا كان الدليل قطعياً فلا شك ... إلخ».

فإن كان الدليل قطعياً، فلا شك في وفائه و قيامه مقام القطع الطريقي و الموضوعي معاً، و الوجه في ذلك: أن الدليل القطعي يؤدي إلى القطع بمفاده و مدلوله، فلو دلّ الدليل القطعي على وجوب صلاة الجمعة- مثلًا-، فإن مثل هذا الدليل، يؤدي إلى القطع بوجوب صلاة الجمعة، و يكون قطعاً طريقياً بالنسبة إليها كما اتّضح من خلال المقدّمة، فيتنجّز على المكلف ذلك الوجوب، و هذا معنى قيام الدليل القطعي مقام القطع الطريقي و وفائه بدوره؛ لأن دوره هو التنجيز كما مرّ، و الدليل القطعي يحقق القطع بمفاده حقيقة.

و أمّا الوجه بوفائه بدور القطع الموضوعي، فهو أنّه يحقق القطع بمفاده، فيتم بذلك موضوع الحكم الشرعي الذي أُخذ القطع فيه، و يثبت الحكم الشرعي، كما لو قال المولى: «إذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة، وجب عليك التصدّق»، فالقطع بوجوب صلاة الجمعة، يكون قطعاً موضوعياً بالنسبة لوجوب التصدّق، فيثبت وجوب التصدّق في ما لو قام الدليل القطعي على وجوب صلاة الجمعة؛ لأنه يؤدي إلى القطع بوجوب صلاة الجمعة، فيتحقق موضوع وجوب التصدّق، و الحكم يثبت إذا ثبت موضوعه؛ لأنه بمثابة المعلول بالنسبة إلى موضوعه كما ذكرنا غير مرّة، و تحقّق العلّة- و هو القطع بوجوب صلاة الجمعة- يؤدي إلى تحقّق المعلول و هو وجوب التصدّق.

و الخلاصة: إنّ الدليل القطعي، يفي بدور القطع الطريقي و الموضوعي معاً، و لم يقع ذلك مورداً للإشكال و الخلاف؛ لأنه يؤدي إلى حصول القطع حقيقة كما هو واضح، بل يمكن القول بأنّه لا معنى لذكر هذا الشق أساساً؛ لأنّ هذا مرجعه إلى البحث عن مدى قيام القطع مقام نفسه، و هو كما ترى؛ إذ لا محصّل له كما هو واضح.