شي‌ء إخباراً حسيّاً، يكشف عن ثبوت ذلك الشي‌ء الذي أخبر عنه من باب استبعاد خطئه في إدراكه لتلك الواقعة التي يخبر عنها، فلو أخبرنا الثقة عن دخول شخص في النار و احتراقه بها، يثبت- بمقتضى هذا الإخبار- دخوله و احتراقه مدلولًا مطابقياً للخبر، و يثبت موته- أيضاً- مدلولًا التزامياً للخبر نفسه، بنكتة استبعاد اشتباهه في رؤية دخول ذلك الشخص في النار و احتراقه بها.

فإذا عُلِمَ- بعد ذلك- بعدم دخول ذلك الشخص في النار و احتراقه بها، و أنَّ المخبر كان مشتبهاً في ذلك، فافتراض أن الشخص لم يمت أصلًا لم يكن متضمناً لاشتباه أزيد مما ثبت من اشتباه، بل يكون اشتباه المخبر بالنسبة لكلا المدلولين على حدٍّ سواء، وعليه، تكون نكتة الكشف- و هي استبعاد اشتباهه- قد بطلت بلحاظ كلا المدلولين المطابقي و الالتزامي، فيبطل- بذلك- ملاك الحجيّة، فيسقط المدلول الالتزامي عن الحجّية تبعاً لسقوط المدلول المطابقي عنها [1].

عدم الدقة في جعل المقام من الخبرين العرضيين:

قوله‌ (قدس سره)‌ ص 77: (و بذلك يختلف المقام عن خبرين ... الخ).

و من خلال ما تقدم يتبيّن أن المقام ليس من قبيل الخبرين العرضيين كما توهم البعض‌ [2]؛ فإنّ ما نحن فيه يختلف تماماً عن خبرين عرضيين من شخصين عن الحريق، كما لو أخبرنا عمر بدخول زيد و احتراقه بالنار، و أخبر بكر- أيضاً- بدخول زيد و احتراقه بالنار، فإذا عُلِمَ أنّ عمراً كان مشتبهاً في إخباره عن رؤية الحريق و احتراق زيد، فهذا يوجب سقوط هذا الإخبار عن الحجّية، و لكن ذلك لا يبرّر سقوط الخبر الآخر عن الحجيّة؛ لأن لكل من الخبرين نكتته الخاصّة به، و هي استبعاد اشتباهه هو دون غيره في إدراكه الحسي للواقعة، فبطلان هذه النكتة في أحدهما لا يوجب بطلانها في الآخر؛ لأن افتراض عدم حجيّة الخبر الآخر يتضمن اشتباهاً زائداً على‌

[1] و هذا ما تبنّاه السيّد الشهيد كما جاء في تقريرات بحثه. راجع بحوث في علم الأصول: ج 7، ص 262

[2] بهذا البيان سوف يشرع السيد الشهيد بإبطال ما اعتمد عليه المحقق النائيني لتوجيه القول بعدم التبعية عن طريق جعل المقام من قبيل الخبرين العرضيين و الذي تقدّم منه سابقاً.