احتمال التخصيص لا يكفي لرفع اليد عن الإطلاق ما لم يحرز وجود مخصّص، فإطلاق الدليل الاجتهادي على نفي الوجوب يبقى هو المتّبع حتى مع احتمال الحجيّة للخبر الدال على الوجوب.

خامساً: إذا كان المرجع له الاحتياط العقلي‌

و أمّا لو كان المرجع للمكلّف هو أصالة الاحتياط العقلية و منجزيّة الاحتمال بناءً على مسلك حق الطاعة، فاحتمال التكليف بنفسه يكون منجّزاً ما لم يقطع بالترخيص الظاهري في مخالفته؛ لما تقدم من حكم العقل بمنجّزية الاحتمال المعلّقة على عدم ورود الترخيص في ترك التحفظ و الاحتياط، و لا أثر لاحتمال الحجيّة هنا؛ لأنّ التنجيز ثابت بلحاظ احتمال التكليف لا بلحاظ احتمال الحجيّة للخبر الدال على التكليف، غاية الأمر سوف تتأكّد هذه المنجزية، هذا إذا كان الخبر المشكوك الحجّية مفاده ثبوت التكليف كما في المثال المتقدّم، و أما إذا افترضنا ورود خبر، و لم نعلم بجعل الحجّية له، و كان مفاده الترخيص و عدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فهنا أيضاً يبقى الموقف العملي على حاله، و لا يتغيّر بمجرد احتمال الحجّية لمثل هذا الخبر؛ لأنّ غاية ما يؤدي إليه احتمال حجّية ذلك الخبر، هو احتمال الترخيص، و هو ثابتٌ و موجود حتى قبل مجي‌ء الخبر الدال على الترخيص؛ لأنّ احتمال الوجوب بنفسه يستبطن احتمال عدم الوجوب كما هو واضح. فهذا الاحتمال للترخيص، لا ينفع لرفع موضوع حكم العقل بمنجزيّة الاحتمال ما لم نقطع بصدور الترخيص من الشارع؛ لأنّ ذلك مرجعه إلى التناقض‌ [1].

خلاصة البحث في المقام الأول:

و نستخلص من ذلك كلّه: إنّ الموقف العملي الذي كان محدداً للمكلّف، يبقى‌

[1] و الوجه في ذلك هو: أن الاحتمال يستبطن دائماً طرفين؛ فعند ما تقول: إنني احتمل الوجوب، فكأنّك قلت: إنني احتمل عدم الوجوب، فإذا التزمنا بمنجزية احتمال الوجوب، فهذا يعني أننا التزمنا بعدم معذرية الاحتمال المقابل له و هو احتمال عدم الوجوب، وعليه فلو افترضنا ان احتمال الترخيص- أي احتمال عدم الوجوب- يكون كافياً لرفع موضوع حكم العقل بمنجزية الاحتمال، لأدّى ذلك إلى الالتزام بعدم منجزية الاحتمال، في الوقت الذي فرضنا فيه منجزية ذلك الاحتمال، و هذا تناقض واضح.