للواقع، و أنّ في بعضها توجد تكاليف إلزاميّة، يعني وجود علم إجمالي بوجود تكاليف إلزاميّة في دائرة تلك القطوعات، و مقتضى ذلك تنجز التكاليف الواقعيّة جميعاً في دائرة القطوعات النافية، و هذا يعني أن القطع الذاتي بعدم التكليف لا يكون معذّراً، فلو عمل على وفق قطوعاته و تورّط لأجل ذلك بمخالفة الأحكام الواقعية الإلزامية، استحق العقاب على تلك المخالفة؛ لأجل تنجزها عليه بالعلم الإجمالي المتقدّم‌ [1].

الاعتراض على هذا الوجه:

قوله (قدس سره) ص 63: «فإن قيل إن القطاع ... إلخ».

إنّ هذا الكلام إنما يكون وجيهاً و صحيحاً في ما لو أمكن افتراض وجود علم إجمالي من هذا القبيل، بحيث يمكن أن يجتمع مع قطوعاته النافية للتكليف، بمعنى: أنّهُ في الوقت الذي يقطع بعدم التكليف، يعلم إجمالًا بأن بعض قطوعاته النافية غير مصيبة للواقع، و يحتمل أن يكون منها هذا القطع؛ و هذا أمرٌ لا يمكن تعقّله و تصوره في نفس القاطع بعدم التكليف؛ و ذلك لأنّ القطاع عند ما تكون لديه قطوع نافية للتكليف، سوف يزول منه ذلك العلم الإجمالي قطعاً؛ لأنّ فرض وجود مثل هذا العلم الإجمالي بأن بعض قطوعاته النافية غير مطابقة للواقع، مرجعه إلى الشك في قطعه، مع كونه قاطعاً بالفعل، و لا يمكن لقاطع أن يشك- و لو لحظة- في قطعه؛ لأنه يخرج عن كونه قاطعاً تلك اللحظة.

فالعلم الإجمالي بأن بعض قطوعاته النافية للتكليف غير مطابقة للواقع، لا بدّ و أن يكون صالحاً للانطباق على كل طرف من أطراف ذلك العلم، أي: صالحاً لأن ينطبق على كل قطع بعدم التكليف؛ لاحتمال كونه هو ذلك البعض غير المطابق للواقع، و هذا معنى لا يمكن أن يصدّق به القاطع حال قطعه؛ إذ كيف يمكنه أن يشك في قطعه مع كونه قاطعاً بالفعل؟ فكل مورد من موارد القطع بعدم التكليف، إذا أشار إليه‌

[1] هذا ما جاء عن المحقق العراقي في تقريرات بحثه لتوجيه قول من قال بعدم حجية بعض أقسام القطع حيث قال: «أن حكم العقل بوجوب موافقة القطع عند حصوله، ليس على الإطلاق حجة، فيما إذا قصر في تحصيله، و لو من جهة علمه بأكثرية مخالفة قطعه للواقع، قبل حصول قطعه، فحينئذ لا يراه العقل معذورا لتقصيره»، راجع: تنقيح الأصول ص 23.