حجِّية القطع‌ [1]

تمهيد:

بعد أن آمن الإنسان بوجود خالق و هو الله سبحانه و تعالى، و آمن بأنّه المولى الحقيقي، أدرك العقل- بحكم هذه المولويّة- أنّ له حقَّ الطاعة على العباد؛ لأنّ نفس المولويّة تستبطن هذا المعنى؛ إذ لا معنى لكونه مولى من دون أن يكون له حقّ الطاعة على عباده في أوامره و نواهيه.

و بعد التسالم على ثبوت أصل حق الطاعة له بحكم العقل، وقع الخلاف و البحث عن «حدود و دائرة» هذا الحق سعة و ضيقاً، و أنّه هل يشمل التكاليف المحتملة و المظنونة أم لا [2]؟ بعد الفراغ عن أنّ القدر المتيقَّن من هذا الحق هو حق الطاعة في‌

[1] ينبغي الالتفات إلى أنّ البحث في حجية القطع ليس من جهة كون القطع حجة أم ليس بحجة؛ فإنّ ثبوت الحجية للقطع مما لا خلاف فيه، و إنّما البحث في حجية القطع يدور حول كيفية ثبوت تلك الحجية له و هل هي ثابتة للقطع من حيث أنه قطع فتكون من لوازمه و بالتالي تنتفي بانتفائه، أم هي ثابتة له من حيث أنه انكشاف للتكليف و بالتالي لا مانع من أن يكون كل انكشاف للتكليف و إن لم يكن بدرجة القطع حجة و منجّزاً؟ و ثمرة هذا البحث تظهر بالنسبة لدرجات الانكشاف غير القطعي للتكليف من الظن و الاحتمال، و هل هو منجّز أو لا؟ هذا من جهة، و يدور حول إمكان سلب هذه الحجية عن القطع و الردع عن العمل به و عدم إمكان ذلك من جهة أخرى، و سوف يتّضح ذلك جلياً خلال البحث‌

[2] ينبغي الالتفات إلى أنّ البحث و الخلاف لم ينصب على هذه المسألة بالذات، و إنّما وقع في أن المنجّزيّة هل هي مختصة بالقطع؟ أو هي شاملة لكل ما ينكشف للمكلّف من تكاليف، و مهما كانت درجة ذلك الانكشاف؟، فقد ذهب المشهور إلى الأول، و ادّعى أن المنجّزيّة من لوازم القطع بما هو قطع، و لذا آمنوا بانتفائها عند انتفائه، و لكن السيّد الشهيد، حيث إنه يرى أن المنجّزيّة من لوازم حق الطاعة على العبد، فأي تبعيض في المنجّزيّة يرجع بحسب الحقيقة إلى التبعيض في حق الطاعة و تحديد مولويّة المولى، و لا يمكن الفصل بينهما، و لأجل ذلك، يرجع البحث بحسب روحه و حقيقته إلى تحديد دائرة حق الطاعة، و هل هو مختص بالتكاليف المقطوعة أو أنّه شامل للتكاليف المظنونة و المحتملة أيضاً؟