بينهما بالشكل الذي يفسر القول بأن مثبتات الأمارات حجة دون مثبتات الأصول العملية، فانتظر.

ثانياً: و لو سلّمنا كون المجعول في باب الأمارات هو العلمية و الطريقيّة، فهي لا تجدي نفعاً في الأصول العملية غير المحرزة [1]؛ فإنه (قدس سره) لا يلتزم بأن المجعول فيها هو العلمية و الطريقية، بل يدّعي أنّه مجرد البناء على أحد طرفي الشك من دون إلغاء الطرف الآخر و البناء على عدمه.

و بهذا، يتّضح أن الإشكال الثالث و هو كيفية تنجز الواقع المشكوك مع كونه مشمولًا لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، تاماً و وارداً على مسلك المشهور القائل بهذه القاعدة.

رأي السيّد الشهيد (قدس سره) في الشبهة الثالثة:

قوله (قدس سره) ص 32: «و الصحيح أنّه لا موضوع لهذا الاعتراض ... إلخ».

بعد أن تبين إنّ شبهة تنجز الواقع المشكوك تبتني على القول بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، و بعد أن تبيّن- أيضاً- أن مجرد كون المجعول في باب الأمارات هو العلمية و الطريقية لا يحل هذا الإشكال لما ذكرناه من الملاحظتين قبل قليل، فإن الإشكال الثالث أمام جعل الأحكام الظاهرية لا يزال تامّاً لحد الآن.

و لكن، حيث إن الصحيح هو إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان رأساً، و أن احتمال التكليف بنفسه منجز له- بناءً على مسلك حق الطاعة-، فلا موضوع لهذه الشبهة أساساً [2]؛ و ذلك لحكم العقل بمنجزية الاحتمال المعلقة على عدم ورود الترخيص من‌

[1] أما الأصول العملية المحرزة باصطلاح المحقق النائيني، فالمحاولة إذا تمت، تكون تامة بلحاظها أيضاً؛ و ذلك لأنّ المجعول فيها- على ما يتبناه المحقق نفسه-، هو البناء على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع، و إلغاء الطرف الآخر للشك و جعله كالعدم، أي: تنزيل الشك منزلة العلم بلحاظ ترتيب آثار المعلوم عملًا، و التنزيل في الأمارات، بلحاظ جهة الإحراز و الكاشفية للعلم؛ و لأجل هذا لم ينقض السيد الشهيد على المحقق بالأصول العملية المحرزة، و إنما اقتصر على النقض بالأصول العملية غير المحرزة؛ لأنّ المجعول فيها هو البناء على أحد طرفي الشك من دون تنزيله منزلة العلم، بل مع الحفاظ على الطرف الآخر و عدم إلغائه، راجع فوائد الأصول: ج 3 ص 112

[2] و هناك جواب آخر للسيّد الشهيد حتى مع تسليم قاعدة قبح العقاب بلا بيان، و هو التصرّف في موضوع القاعدة و الالتزام بأنّ موضوع حكم العقل إنّما هو عدم بيان الحكم الواقعي أو عدم بيان اهتمام المولى به على تقدير ثبوته، و حيث أن دليل الحجّية يكشف عن ذلك الاهتمام- لما مرّ من أنّ الأحكام الظاهريّة خطابات تحدد ما هو الأهم من ملاكات و مبادئ الأحكام الواقعيّة-، فحينئذ يرتفع موضوع القاعدة حقيقةً؛ لأنّ دليل الحكم الظاهري سوف يكون وارداً على القاعدة العقليّة و مخرجاً لمورده عن موضوعها، راجع بحوث في علم الأصول: ج 4 ص 188.