نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 1 صفحه : 377
له في دعوته لا تأخذه في الحق لومة لائم، و لا يقعد به عن أداء رسالته خوف ظالم، و قد خاض غمار تلك الأخطار بثبات قلب و رأي سديد و حكمة بالغة.
و قد اختط لنفسه طريقا سار فيه إلى الدعوة و تأدية الرسالة، و أمر أصحابه بالثبات و العمل بما يدعون إليه من تطبيق نظام الإسلام، و أمرهم بالدعوة الصامتة و قد عرف حاجة المجتمع إلى الألفة، و إزالة رواسب الخلافات و حمل الناس على تطبيق مبادئ الإسلام ليوجد من المجمع الإسلامي قوة متكاتفة تصرخ في وجوه الظلمة، و تحملهم على الاعتدال في السيرة و العدل في الحكم، و المساواة في الرعية، و سيأتي مزيد بيان لهذا الموضوع كما تقدمت الإشارة إليه في الجزء الأول.
موقفه من الحركات الفكرية:
هذا من ناحية الموقف السياسي. أما ما يتصل بالحياة الاجتماعية و العقائد الدينية فكان الأمر أدهى و أمر، فقد صحبت تلك العاصفة السياسية تيارات فكرية جارفة، و هزات إلحادية قوية، و تطور غريب في النزعات و الاتجاهات أقلق بال حماة الشريعة و الذائدين عن حوضها، و حدثت عصبيات جاهلية ذميمة، و قد نهض الإمام الصادق لمقارعة أهل الباطل، و باحث الفلاسفة و الدهريين، و أهل الكلام الجدليين، الذين تصدوا لإفساد معتقدات الناس فأبطل بنور حكمته مقالاتهم الفاسدة و سفسطتهم الفارغة [1]، فنبههم عن غفلتهم و أيقظهم من رقدتهم، و أوضح لهم اعوجاج مذاهبهم و التواء سبلهم، و دعاهم إلى كلمة الحق، و جادلهم بالتي هي أحسن، و ناقشهم بالبرهان الساطع و قد احتفظ التاريخ بكثير من تلك المناظرات، كمناظرته في التوحيد مع الزنديق الذي قدم من مصر، و اسمه عبد الملك ليناظر الإمام فناظره حتى آمن قلبه، و اطمأنت نفسه بعد الزيغ و الارتياب، و طلب من الإمام تعليمه و إرشاده و قال:
اجعلني من تلاميذك، فقال الصادق لهشام: خذه إليك فعلمه [2].
و جاء إليه زنديق آخر و سأله عن أشياء منها أنه قال له: كيف يعبد اللّه و لم ير؟
فقال أبو عبد اللّه: رأته القلوب بنور الإيمان، و أثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان،
[1] الرسالة الأولى في الإمام الصادق للأستاذ توفيق الفكيكي المحامي.