نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 1 صفحه : 322
الموالي و أوضاع عصره:
و من حسن طالعه أن يقع في عصره الخلاف بين أهل الحديث و أهل الرأي، أو بين العرب و الموالي و تشتد الخصومة، و يكثر بينهم التهاجي، و هو يترأس حلقة أستاذه حماد و هي إحدى حلقات العلم بالكوفة، و بالطبع ان الملتفين حوله و المجتمعين إليه أكثرهم من الموالي و أكثرهم يحقد على العرب الذين نظروا إليهم نظر السيد إلى المسود و الشريف إلى الوضيع، حتى بعثوا فيهم روح النعرة و تلك نزعة غذاها بنو أمية فعاملوا الموالي معاملة سيئة، و لم يعدلوا معهم في الحكم، و كانت تبعث في نفوس المفكرين من الموالي كرها لما آلت إليه أحوالهم، و ينعكس حقدا في نفوس الأغلبية ممن اعتنقوا الإسلام لسبب أو لآخر فذاقوا المهانة. و واقع حضارتهم و أمجاد دولهم ما زالت ماثلة لم يمر عليها دهر لتمحى أو تزول من الأذهان. و لقد أوجد الأمويون بسياسة التعصب واحدة من آفات سياستهم التي أودت بدولتهم و أقدموا على مخالفة مبادئ المساواة و العدل في الإسلام.
و تطورت الحركة الفكرية و اتجه الناس في آخر الدولة الأموية إلى أمور لم يكن في وسعهم الاتجاه إليها في إبان عظمة الدولة و كانت في الكوفة حلقات العلم يجلس طلابه إلى شيوخ عرفوا بذلك، فكانت حلقات للمتكلمين بجانب حلقات الفقه و حلقات الشعر و الأدب يتكلمون فيها بالقضاء و القدر، و الكفر و الإيمان، و يستعرضون أعمال الصحابة في الحرب و غيرها، و قد اختار أبو حنيفة حلقة المتكلمين [1].
كما زخرت الكوفة برجال العلم، و اتسع نطاق الحركة الفكرية و اتجه الناس للبحث و وقع الخلاف بين أهل الرأي و أهل الحديث، و أخذت السلطة في تشجيع أهل الرأي و اندفع الموالي [2] إلى التزاحم على طلب الشهرة و النبوغ في المجتمع، عند ما أصبحوا و لهم قوة على إيجاد كتلة متماسكة الأجزاء، فكثر عددهم في الكوفة و قوي جمعهم، و أصبح منهم رجال تبوءوا مناصب الدولة، فمنهم قواد جيش و أمراء بلدان، و علماء يشار إليهم بالأصابع، و منهم الأدباء و رواة حديث، و قد اجتازوا مراحل العنف و الشدة، و انتقلوا من عهد الاستبداد و القسوة و عدم المساواة في الحكم بينهم و بين