دلالة اللفظ و كونه آلة إشارة إلى المعنى ذاتيّة، و ليست بجعل جاعل. لكن هذه الإشارة الذاتيّة هي الإشارة باللفظ إلى اللفظ، يعني يشار بشخص اللفظ الصادر من لافظه إلى نوع ذلك اللفظ و جنسه. و هذه الدلالة لا توصف بحقيقة و لا مجاز؛ إذ ليست من رشحات اللفظ و نتائجه، و لئن كان وضع أو لم يكن- كما في المهملات- كانت هذه الدلالة ثابتة، و ذلك من أعظم الشواهد على ذاتيّة هذه الدلالة.
و هذه الدلالة الذاتيّة هي مفتاح الدلالة الاخرى العرضيّة الوضعيّة، و هي دلالة اللفظ على المعنى، بل في الحقيقة ليست هناك دلالة أخرى غير هذه، و لا تنبعث من الوضع و سبب الوضع دلالة لم تكن، و إنّما يؤثّر الوضع في صرف هذه الدلالة من جانب إلى جانب- أعني من جانب اللفظ إلى طرف المعنى- و يوجّهها إلى المعنى بعد أن كانت متوجّهة إلى نفس اللفظ.
فالوضع يصرف الدلالة من مدلول إلى مدلول بعد انحفاظ أصل الدلالة. و ليكن هذا مراد من قال: إنّ دلالة الألفاظ ذاتيّة [1]، يعني أنّ الوضع ليس شأنه إحداث الكشف و الدلالة للّفظ
[1]. قال العلّامة في تهذيب الأصول: 6: «ذهب عباد بن سليمان [الصيمري] إلى أنّ اللفظ يدلّ على المعنى لذاته؛ لاستحالة ترجيح بعض الألفاظ بمعناه من غير مرجّح».
و نقل في الفصول الغرويّة: 23، نسبة لزوم رعاية المناسبة الذاتيّة في الوضع إليه.