في القصر و أحيانا في الجامع الأزهر، و يشترك في إلقائها بعض كبراء الدولة مثل الوزير ابن كلس وزير المعز ثم ولده العزيز، ثم عهد بعد ذلك إلى داعي الدعاة بالإشراف على تنظيم هذه الدعوة و بثها، و وضعت لها نظم و رسوم خاصة، و أحيطت مجالس الحكمة يومئذ بشيء من التحفظ و استحالت إلى نوع من الدعوة السرية تلقى في الخاصة قبل كل شيء، و تعقد مجالسها في القصر، و كان للكافة أيضا نصيب من تلك المجالس، فيعقد للرجال مجلس بالقصر، و يعقد للنساء مجلس بالجامع الأزهر.
و كان الداعي يشرف على هذه المجالس جميعا بنفسه أو بواسطة نقبائه و نوابه، و كانت الدعوة تنظم طبقا لمستوى الطبقات و الأذهان، فلا يتلقى الكافة سوى مبادئها و أصولها العامة و يرتفع الدعاة بالخاصة و المستنيرين إلى مراتبها و أسرارها العليا [1].
و لا تعرف أية مناسبة أخرى غير مجالس الحكمة الفاطمية يمثل فيها النساء في الجامع الأزهر في ذلك العصر لشهود نوع من القراءة و الدرس، بيد انه يوجد ما يدل على أن النساء كن يظهرن أحيانا في بعض العصور المتأخرة في حلقات الأزهر الدراسية، و قد كان من هؤلاء أم زينب فاطمة بنت عباس المعروفة بالبغدادية التي توفيت سنة 714 ه، و كانت فقيهة وافرة العلم. و انتفع بعلمها كثير من نساء مصر و دمشق [2] و ذكر الجبرتي أيضا ما يفيد أنه كان ثمة سيدة فقيهة عمياء تحضر دروس الشيخ عبد اللّه الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر في أوائل القرن الثالث عشر الهجري [3].
الأزهر و تجديد مبانيه:
و قد تعهد الخلفاء الفاطميون الجامع الأزهر بالتجديد و العمارة في
[1] الخطط ج 2 ص 225 و 226، و صبح الأعشى ج 3 ص 487. و راجع كتاب الحاكم بأمر اللّه لعنان ص 161- 163.
[2] راجع خطط المقريزي ج 4 ص 294، و حسن المحاضرة للسيوطي ج 1 ص 182
[3] راجع ذلك في ترجمة الشيخ عبد اللّه الشرقاوي في حوادث سنة 1228 ه (ج 4 ص 172).