الأزهر بيت العلم العتيق، و مثابة الثقافة الاسلامية، حمل لواء المعرفة في مصر و في الشرق الإسلامي قرونا متصلة، و حفظ التراث الإسلامي دينا و لغة من عاديات الزمن، و نشره على الآفاق، و لم يبخل به على أي طالب علم قصده من مشارق الأرض أو مغاربها. و قد ظل الأزهر طوال ألف سنة- و ما يزال حتى اليوم- كعبة العلم و الدين، و معقد آمال المسلمين، و قد تخرج فيه أفواج و أفواج من جلة العلماء انتشروا في بقاع الأرض، و حملوا معهم مشاعل المعرفة و الثقافة التي تزودوا بها في الأزهر، فأضاؤو جنبات الأرض علما و نورا و تقى.
أنشأ الجامع الأزهر جوهر الصقلي قائد الخليفة الفاطمي «المعز لدين اللّه»، و شرع في بنائه يوم السبت لست بقين من شهر جمادى الأول [1] سنة 359 ه (970 م)، و كمل بناؤه لسبع خلون من شهر رمضان سنة 361 ه 22 يونيو 972 م، و كان الغرض من إنشائه أن يكون رمزا للسيادة الروحية للدولة الفاطمية، و منبرا للدعوة التي حملتها هذه الدولة الجديدة إلى مصر. و قد كتب بدائرة القبة التي في الرواق الأول و هي على يمين المحراب و المنبر ما نصه بعد البسملة: مما أمر ببنائه عبد اللّه
[1] يذكر بعض المؤرخين انه شرع في بنائه في يوم السبت الرابع من شهر رمضان عام 359 ه (273 ج 2 المقريزي، 364 ج 3 القلقشندي).