فجأة و على غير تدبير سابق نهضت مصر نهضتها الكبرى عام 1919. كما تضيء في الحفلة الرحبة الجوانب مئات الثريات الكهربائية بحركة لينة من أصبعك. و مرد هذه اليقظة الشاملة شعور مصر في كل حين أن حقها سليب و حريتها منتهبة، و استقلالها مفقود، و إنما تحتاج النهضات الأخر الى تدبير سابق يسلخ من العمر سنوات في غير النهوض للحرية و الاستقلال. أما و المصريون أحياء يحسون و يشعرون، و الإنجليز أمامهم في مظهر السيادة و التملك، فلم يحتج الأمر إلى تدبير مبيت في الخفاء، إلا أن يهتف هاتف: أيها المصريون هذا يوم الخلاص، ليدوى الصوت في أفق مصر و يستجيب له صائد الأسماك في بحيرة رشيد، كما يستجيب له القابض على يد المحراث في وادي حلفا.
خرجت مصر كلها ... كلها حقا، تطلب الحرية و تنشد الاستقلال، و تدفقت قوة الشباب في جسوم الشيوخ، و جرت البطولة في أبدان الشباب، و تفتحت البطولة في روح الأطفال و الغلمان، و احتوت الشجاعة و الحماسة قلوب السيدات قرويات و حضريات، و أصبحت مصر أغرودة الجميع و حرية مصر لحنا يردده كل فم، و استقلال مصر آية مقدسة يرتلها العابدون الخاشعون
و لقد تجلت كبرياء هذا العهد على الأزهر إذ كان مكانا صالحا للنهوض، و حمل أبناؤه علم الجهاد الشريف الوادع.