كما أنَّه لا إشكال في أنّها ليست طريقاً عُقلائيّاً إلى الواقع، و لا كاشفاً عن المجهول، بل يستعملها العُقلاء لمحض رفع النزاع و الخصام، و حصول الأولويّة بنفس القرعة؛ ضرورة أنّها ليست لها جهة كاشفيّة و طريقيّة إلى الواقع، كاليد و خبر الثقة، فكما أنّها في الموارد التي ليس لها واقع كتقسيم الإرث و الأموال المُشتركة إنّما هي لتمييز الحقوق بنفس القرعة لدى العُقلاء، كذا في الموارد التي لها واقع مجهول لديهم ليست المقارعة لتحصيل الواقع و كشف الحقيقة، بل لرفع الخصام و التنازع، و هذا واضح.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنَّ المُتتبّع في الموارد المُتقدّمة التي وردت فيها الأخبار الخاصّة، و كذا المُتأمّل في كلمات الأصحاب في الموارد التي حكموا بالقرعة [1] يحصل له القطع بأنَّ مصبّ القرعة في الشريعة ليس إلّا ما لدى العُقلاء طابق النعل بالنعل؛ فإنَّ الروايات على كثرتها بل تواترها- باستثناء موردٍ واحدٍ سيأتي الكلام فيه- إنّما وردت في موارد تزاحم الحقوق، سواء أ كان لها واقع معلوم عند اللَّه مجهول لدى الخصمين أو لا.
أمّا مورد تعارض البيّنات و الدعاوي كالإشهاد على الدابّة [2]، و الإيداع و الاختلاف في الولد [3] و الزوجة [4] فمعلوم، و أمّا موارد الوصيّة بعتق ثلث العبيد [5] أو عتق أوّل مملوك [6] و أمثالهما فهو أيضاً واضح، لأنَّ العبيد كلّهم سواء في التمتّع بالحرّية، فتتزاحم حقوقهم، و حيث لا ترجيح في البين يقرع بينهم، و كذا الحال في الخنثى المُشكل [7] و غيرها من الموارد.
و بالجملة: ليس في جميع الموارد المنصوصة إلّا ما هو الأمر العُقلائيّ.
نعم: يبقى مورد واحد هو قضيّة اشتباه الشاة الموطوءة [8] ممّا لا يمكن الالتزام بها
[1]- انظر جواهر الكلام 31: 158 و 178 و 181، مفتاح الكرامة 9: 436 و 468، عوائد الأيام: 226.