الأمر الثالث أنَّ المُستفاد من الروايات قاعدة واحدة و هي التجاوز
هل المُستفاد من أدلّة الباب أنَّ الشارع أسّس قاعدتين مُستقلّتين، كلّ واحدة منهما بملاك خاصّ بها:
إحداهما: قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ؛ أي الشكّ في وجود الشيء بعد التجاوز عن محلّه المُقرّر له.
و ثانيتهما: قاعدة أصالة الصحّة بعد الفراغ من العمل [1]، أم لا يستفاد منها إلّا قاعدة واحدة [2]؟
التحقيق أن يقال: إنَّه قد يراد من القاعدة الثانية أنَّ المجعول هو صحّة العمل بعد الفراغ منه، أو وجوب البناء على الصحّة بعده، إذا شكّ في صحّته و فساده من جهة الشكّ في الإخلال بشيء مُعتبر فيه [3].
فيرد عليه أوّلًا: أنَّ الصحّة و الفساد أمران مُنتزعان من عمل المُكلّف إذا طابق المأمور به، و ليستا من الأحكام الوضعيّة الجعليّة التي يمكن أن تنالهما يد الجعل، فلا يمكن أن يجعل الشارع الصحّة للعمل.
نعم: له أن يرفع اليد عن الجزء أو الشرط المشكوك فيهما، أو يجعل أمارة على تحقّقهما، أو أصلًا على وجوب البناء على وجودهما لدى الشكّ، و مع إعمال التعبّد بأحد الوجوه تنتزع الصحّة من فعل المُكلّف المنطبق عليه العناوين عقلًا، و لا يعقل عدم
[1]- حاشية الآخوند على الرسائل: 237، حاشية المحقّق الهمداني على الرسائل: 108، نهاية الأفكار 4: 43- 45- القسم الثاني.
[2]- انظر رسائل الشيخ الأنصاري: 414 سطر 6، درر الفوائد: 591، فوائد الاصول 4: 623- 626، نهاية الدراية 3: