و يكون مشكوكاً فيه فهو حلال، فموضوع الحليّة هو كون الشيء مشكوكاً فيه ليس إلّا.
مع أنَّه ليس موضوع الحلّية في تلك الأمثلة هو الشكّ و فقدان الدليل على أحد طرفي الشكّ؛ ضرورة أنَّ اليد في قاعدتها دخيلة في الحكم، بل هي تمام الموضوع له من غير دخالة الشكّ فيه، و الشكّ إنّما هو في مورده.
و بالجملة: ليس الشكّ في نفسه موضوعاً للحكم بحلّية ما في اليد، سواءً قلنا بأماريّة اليد أو أصليتها، و كذا في الشكّ في كون المرأة رضيعة أو اختاً ليس الشكّ- بما أنَّه شكّ- موضوعاً للحكم بالحليّة، بل الحكم لاستصحاب عدم حصول الرضاع، و استصحاب عدم تحقّق نسبة الاختيّة لو قيل بجريانه، و إلّا فمن أصالة الصحّة في فعل الغير و قاعدة التجاوز و الفراغ.
و على أيّ حال: ليست الأمثلة المذكورة في الرواية مثالًا و مصداقاً مُنطبقاً عليها قوله:
(كلّ شيءٍ لك حلال)
فلا محيص إلّا أن يحمل على التنظير بأن يقال: إنَّ كلّ شيءٍ مشكوك فيه فهو حلال، مثل ما لو دلّ الدليل على الحليّة، فكما أنَّ الحليّة ثابتة للشيء مع قيام الدليل عليها، كذلك للشيء المشكوك فيه بما أنَّه مشكوك فيه.
و لعلّه (عليه السلام) كان بصدد رفع وسوسة بعض أصحاب الوسوسة، حتّى لا يأخذهم الوسواس في المشكوك فيه، فذكر أوّلًا قاعدة كلّية هي:
(كلّ شيءٍ هو لك حلال حتّى تعلم أنَّه حرام بعينه)
و لم يكتف بذلك حتّى أكّده بأنَّه لا فرق في الحليّة بين أن يقوم الدليل على الحليّة، أو يكون الموضوع مشكوكاً فيه، فمثّل بأمثلة بعضها ارتكازيّة عُقلائيّة، و بعضها شرعيّة، ثمّ لم يكتف به حتّى أكّده بقوله:
(و الأشياء كلّها على ذلك ..)
إلى آخره.
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنَّ قاعدة اليد أمارة سواءً كان مأخذها الأخبار، أو بناء العقلاء، فاتّضح وجه تقدّمها على الاستصحاب؛ فإنَّه بالحكومة إن كان المُستند هو الأخبار، و بالتخصّص إن كان بناء العقلاء.