و لا يخفى أنّ تخطئة المرأة لفتوى الخليفة وقعت بمحضر من الصحابة، و سكوتهم عنها كاشف عن موافقتهم لها في تخطئة الخليفة، و كذا سكوت التابعين بعدهم عن إصابة الخليفة يكشف عن تخطئتهم له.
و منها: إجماع الإماميّة على وقوع الخطإ في اجتهاد المجتهد، و يمكن أن يقال: إنّ مذهب التصويب القائل بعدم وجود حكم في الشريعة لكلّ واقعة يلزمه القول بنقص في الدين، و ذلك خلاف تصريح القرآن الحاكم بإكمال الدين و إتمام النعمة. و إليك قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً[2].
ثمّ إنّ كلّ واقعة خاصّة في حدّ ذاتها مقتضية لحكم من الأحكام، و كذا بحسب الأحوال العارضة لها، فعدم إرشاده تعالى بتلك الأحكام جميعاً في جميع الأزمان و الأحقاب مستلزم للبخل المحال على ذاته تعالى عن ذلك، فالمذهب الحقيق بالتصديق هو القول بأنّ المجتهد غير مصون عن الخطإ.
الاجتهاد و التجزّؤ
تقسيم المجتهد إلى المطلق و المتجزّئ قد يكون باعتبار القدرة على الاستنباط، و قد يكون بحسب فعليّة الاستنباط، فعلى الأوّل: المجتهد المطلق و إن شئت قلت: المجتهد بنحو الإطلاق فإنّه إذا قصد منه المتجزّئ، يوصف به هو المقتدر على استنباط الأحكام الفعليّة من الحجّة، و المتجزّئ من يقتدر على استنباط بعضها فقط، و على الثاني: المجتهد المطلق من استنبط مقداراً معتدّاً من الأحكام الفعليّة، و بهذا المعنى وردت النصوص الحاكمة بترتيب آثار على المجتهد، و المتجزّئ من لم يكن مستنبطاً لذلك المقدار.