المريض بالرجوع إلى الطبيب، و رجع إلى غير الأعلم، ثمّ عاقبه على إنّك لم تركت الرجوع الأعلم؟ لم يذمّه العقلاء بل يستحسنونه.
و سابعا: سيرة المسلمين، فإنّهم كانوا في عصر الأئمّة (عليهم السلام) يستفتون من غير الأعلم، مع وجود الأعلم، و لم يمنعهم أحد من الأئمّة (عليهم السلام) من ذلك، و إلّا لوصل إلينا، لكونه من الأمور العامّة البلوى، و استمرّت هذا السيرة إلى زماننا هذا.
أقول: سيرة المسلمين في زماننا الذي نشاهده على الاستفتاء من الأعلم، و أمّا في عصر الأئمّة (عليهم السلام)، فكون رجوع العوام إلى زرارة أو محمّد ابن مسلم و نحوهما، تقليدا؛ غير خال عن الكلام.
اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الأحكام التي سمعوها من المعصوم، و إن لم يكن رجوع العوام إليهم فيها تقليدا اصطلاحيّا، لكن الأحكام المستحدثة التي كانوا يستنبطونها من الأخبار و الآيات، فلا ريب أنّ رجوع العامي إليهم فيها كان تقليدا اصطلاحيّا؛ و بعد ما كانت سيرتهم على ذلك، و لم يمنعهم الأئمّة (عليهم السلام)، فذلك كاشف عن الرضا بالاستفتاء من غير الأعلم مع وجود الأعلم، و هو المطلوب.
و ثامنا: إطلاق الآيات، فإن الأمر بالسؤال عن أهل الذكر، على فرض تسليم أنّ المراد منهم العلماء، مطلق بالنسبة إلى الأعلم و غيره، و كذا إطلاق آيتي «النفر» و «النبأ» إن قلنا بتماميّتها.
و تاسعا: إطلاق الأخبار، و قد دوّنها السيّد أعلى اللّه مقامه في كتابه المفاتيح، منها رواية خديجة و مقبولة عمر بن حنظلة؛ و القول بأنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر، فاسد؛ لظهور التعارض بين قولنا «ارجعوا إلى من علم شيئا من الأحكام» و قولنا «لا ترجع إلى العالم الغير الأعلم» فإنّا قد ذكرنا سابقا أنّ المعيار في كون الإطلاق واردا مورد حكم آخر، عدم التعارض بين الإطلاق و إخراج ذلك المورد: فتذكّر، و إلّا فلم يمكن التمسّك بالإطلاق في مورد أبدا، و بذلك يختلّ نظام الأحكام بأنّ بناء جلّ الأحكام عليه.