و بعد ما ثبت أنّ الأصل في الشرط المشكوك كونه وجوديّا، فلو أتى الجاهل بالعبادة مع فقدان هذا الشرط، يلزم عليه الإعادة و القضاء بمقتضى الأصل، إلّا أن يكون في المقام دليل وارد على الأصل حاكم بالإعادة فقط دون القضاء، أو بعدمهما؛ فتبيّن أنّ الحق في هذا المقام أيضا التفصيل بين المطابق و غيره، بالمعذوريّة في الأوّل و عدمها في الثاني، فيما لم يثبت كونه من الشرائط العلميّة.
المقام الرابع: في المعاملات، فهل الجاهل معذور فيها أم لا؟
يظهر من الاصحاب الإجماع على أنّ معاملته إن كانت مطابقة للواقع فهو معذور فيه، و إلّا فهي فاسدة، بل يظهر منهم الاتّفاق على ذلك؛ و أنت خبير بأنّ هذا الاتّفاق مناف للقول بأنّ ترك الضد مقدّمة لفعل ضدّه، و مقدّمة الحرام حرام بالأصالة، و النهي في المعاملات يقتضي الفساد؛ بمعنى أنّ ترك البيع مثلا مقدّمة لتحصيل مسائله، و تحصيل المسائل واجب، فترك البيع أيضا واجب، و بعد ما كان الترك واجبا، ففعل البيع حرام من باب المقدّمة، فبعد ما قلنا أنّ المقدّمة حرام بالأصالة، فيصير البيع حراما بالأصالة.
و مع ذلك إن قلنا إنّ النهي في المعاملات يقتضي الفساد، فالبيع المنهي عنه فاسد، فيلزم أن يكون بيع الجاهل فاسدا مطلقا، و مع وجود القائل على هذا النحو، كيف يمكن دعوى الاتّفاق على أنّ معاملة الجاهل إن طابقت للواقع صحيح و إلّا فلا؟ إلّا أن يقال: إنّ القول على هذا النحو و إن كان لازمه القول بالفساد مطلقا، لكن الدليل الخارجي حكم بهذا التفصيل، فلا منافاة في البين، و أمّا على مختارنا من أنّ المقدّمة ليس حرمتها بالأصالة؛ و إن كانت بالأصالة فالنهي في المعاملات لا يقتضي الفساد، فلا يلزم منافاة مع قطع النظر عن الدليل الخارجي أيضا.
و دليلنا على أنّ النهي غير مقتض للفساد فيها: أنّ المنهي إمّا يتعلّق بذات الشيء بالذات، كما في قولنا «لا تبع الخمر» و إمّا يتعلّق بأمر عرضي، كما في قولنا «لا تبع مال الغير إلّا بإذنه» فإنّ نفس البيع هنا ليست منهيّة عنه، لأنّ ذات الشيء يجوز