أقسام الاحتمال الأوّل لا يضرب في الاحتمال الثاني، فإنّ الجهل بالجنس أو الفصل أو كليهما إنّما يتصوّر في الحكم التكليفي لا الوصفي مثلا، و كذا إذا كان عمله مطابقا للواقع لا يضرب فيما لو اعتقد خلاف الواقع و هكذا؛ فتدبّر و لا تغفل.
و بعد ما عرفت ذلك، فاعلم أنّ تنقيح الكلام في المسألة يتوقّف على تقديم مقدّمات و رسم مقامات.
[المقدّمات]
المقدّمة الأولى: في أنّ المسألة أصوليّة أو فرعيّة.
و الحقّ: بل من البيّن أنّها فرعيّة، لما ذكرنا مرارا من المعيار في كون المسألة أصوليّة و هو غير موجود هاهنا، و الدليل على كونها فرعيّة أنّ موضوع الفرعيّات أفعال المكلّفين، و في هذه المسألة لمّا يبحث عن عوارض عمل المكلّف الجاهل فهو من الفرعيّات.
و وجه ذكره في كتاب الأصول أنّها لكونها قاعدة كلّيّة كالمسائل الأصوليّة، و لكونها مرتبطة بالاجتهاد و التقليد التي هي من المسائل الأصوليّة للتكلّم فيها عن دليل المقلّد و هو قول المجتهد، ناسبت أن تذكر في الكتب الأصوليّة و إلّا فمحلّ ذكرها الكتب الفقهيّة، و لذا عرض أكثر الأصوليّين عن ذكرها في الأصول.
[المقدّمة الثانية في كشف الخلاف بعد الاتيان]
المقدّمة الثانية: في أنّ الجاهل لو اعتقد بأنّ لشيء الفلاني هو مكلّف به، ثمّ انكشف خلافه بعد الاتيان به، كما لو اعتقد أنّ الصلاة التي أمره الشارع بها في الظهر ثلاث ركعات مثلا، أو اعتقد أنّ وقت الظهر دخل و هو الآن مأمور باتيان الصلاة و أتى بها، ثمّ انكشف أنّ صلاة الظهر أربع ركعات أو أنّ وقت الظهر لم يدخل بعد مثلا؛ فلا خلاف في عدم ترتّب الإثم على الفعل حينئذ، و لكن مقتضى الأصل و القاعدة هل هو أنّه آت بالمأمور به و ممتثل به بنفس ذلك الفعل، أم لا بدّ له إلّا بالفعل مرّة ثانية مطابقا للواقع.
و لا يخفى أنّ تأسيس هذا الأصل إنّما هو بالنسبة إلى غير المجتهد، و أمّا بالنسبة إليه فيما لو انكشف عليه أنّ ما افتى به أوّلا و عمل به نفسه و مقلّدوه مخالف للواقع،