فيلزم من ذلك انّه اذا لم يكن للحكم وجود بحسب الواقع، فما معنى للاجتهاد فيه.
اذا قد عرّفه ابن حاجب و غيره من اهل اللغة: بانّ الاجتهاد هو استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بالحكم الشرعى. و استفراغ الوسع عبارة عن صرف الجهد و بذل الطاقة فى طلب الحكم، و الطلب موقوف على وجود المطلوب، لاستحالة الطلب من دون وجود المطلوب.
فيكف يطلب المجتهد امرا يعلم بعدم وجوده، و هل هذا هو جمع بين النقيضين؟
ثمّ انّ تحصيل الظنّ بمعرفة شىء موقوف على العلم بتحقّق ذلك الشىء، فاذا كان المجتهد يعتقد بعدم تحقّق المظنون، فما معنى تحصيل الظنّ فى معرفته.
و بعبارة أخرى، انّ الظنّ بالحكم موقوف على وجود الحكم، لأنّ الظنّ بالنسبة الى المظنون، من قبيل العرض بالنسبة الى المعروض، فاذا كان وجود الحكم موقوفا على وجود تحصيل الظنّ كما يقول المصوّب، فيلزم الدور.
اذ الحكم موقوف على تحصيل الظنّ، و تحصيل الظنّ موقوف على وجود الحكم، فهذا معنى الدور المعىّ، لإن توقّف (الف) على (ب) و توقّف (ب) على (الف) و هذا على ما صرّحوا اصحاب المنطق فى كلماتهم، هو الدور المعىّ.
ادلّة اصحاب التصويب:
و اصبح اصحاب التصويب بانّه لو كان للّه تعالى فى كلّ واقعة حكم معيّن معلوم فى الواقع، لكان الحاكم المجتهد بغير سبيله عند الخطأ فى اجتهاده، فاسقا كافرا لقوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ.[1] و لقوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ.[2]
و التّالى باطل للاجماع على عدم كفر المجتهد و عدم فسقه، فالمقدم مثله باطل.
و امّا اذا تجرّدت الواقعة عن الحكم فى الواقع لم يصدق عليه انّه لو يحكم بما انزل