و كان فيمن خرج مع الجماعة علي بن حسان الواسطي المعروف بالأعمش قال:
فحملت معي شيئا من آلات الصبيان مصاغة من فضة و قلت أهديها الى مولاي و أتحفه بها. فلما تفرّق الناس عنه و أجاب جميعهم عن مسائلهم و مضى الى منزله اتبعته فلقيت موفقا فقلت: استأذن لي على مولاي ففعل. و دخلت فسلّمت عليه فرد عليّ فتبينت في وجهه الكراهة و لم يأمرني بالجلوس فدنوت منه و فرغت ما كان في كمي بين يديه فنظر إليّ نظر مغضب ثم رمى به يمينا و شمالا و قال: ما لهذا خلقنا اللّه. فاستقلته و استعفيته فعفا و قام فدخل و خرجت و معي تلك الآلات.
و بقي أبو جعفر (عليه السّلام) مستخفيا بالإمامة الى ان صارت سنه عشر سنين.
و روى أمية بن علي قال: كنت بالمدينة اختلف الى أبي جعفر (عليه السّلام) و أبوه بخراسان فدعاه يوما بالجارية.
فقال لها: قولي لهم يتهيّئون للمأتم فلما تفرقنا من مجلسه و كنت انا و جماعة قلنا:
إنّا ما سألناه مأتم من.
فلما كان الغد أعاد القول، فقلنا له: مأتم من؟
فقال: مأتم خير من على ظهر الأرض.
فورد الخبر بمضي الرضا (عليه السّلام) بعد ذلك بأيام.
ثم وجّه المأمون فحمله و أنزله بالقرب من داره و أجمع على أن يزوّجه ابنته أم الفضل. فروي عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن الريان بن شبيب خال المأمون قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج أبا جعفر (عليه السّلام) ابنته اجتمع إليه خواصه الادنون من بني هاشم فقالوا له: يا أمير المؤمنين نشدناك اللّه أن لا تخرج من هذا البيت أمرا قد ملكناه اللّه و تنزع عزا قد ألبسناه و قد عرفت ما بيننا و بين آل أبي طالب، و هذا الغلام صبي غر.
قال: فانتهرهم المأمون و قال لهم: هو و اللّه أعلم باللّه و برسوله و بسنّته و أحكامه من جماعتكم.