مَدْفُوعٌ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْخِلَافَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ حَضَرَهَا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِبَيْعَتِهِ قُدُومَ غَائِبٍ عَنْهَا .وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ مِنْهُمْ الْإِمَامَةُ خَمْسَةٌ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عَقْدِهَا أَوْ يَعْقِدُهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الْأَرْبَعَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْعَقَدَتْ بِخَمْسَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا ثُمَّ تَابَعَهُمْ النَّاسُ فِيهَا ، وَهُمْ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعْدٍ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالثَّانِي عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الشُّورَى فِي سِتَّةٍ لِيُعْقَدَ لِأَحَدِهِمْ بِرِضَا الْخَمْسَةِ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ .وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ : تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ يَتَوَلَّاهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الِاثْنَيْنِ لِيَكُونُوا حَاكِمًا وَشَاهِدَيْنِ كَمَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ .وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : تَنْعَقِدُ بِوَاحِدٍ ، لِأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا امْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ فَيَقُولُ النَّاسُ : عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَايَعَ ابْنَ عَمِّهِ فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمُ وَاحِدٍ نَافِذٌ . فَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لِلِاخْتِيَارِ تَصَفَّحُوا أَحْوَالَ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِمْ شُرُوطُهَا فَقَدَّمُوا لِلْبَيْعَةِ مِنْهُمْ أَكْثَرَهُمْ فَضْلًا وَأَكْمَلَهُمْ شُرُوطًا وَمَنْ يُسْرِعُ النَّاسُ إلَى طَاعَتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ بَيْعَتِهِ ، فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ مَنْ أَدَّاهُمْ الِاجْتِهَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ عَرَضُوهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ أَجَابَ إلَيْهَا بَايَعُوهُ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَتْ بِبَيْعَتِهِمْ لَهُ الْإِمَامَةُ فَلَزِمَ كَافَّةَ الْأُمَّةِ الدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِطَاعَتِهِ ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَيْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَقْدُ مُرَاضَاةٍ وَاخْتِيَارٍ لَا يَدْخُلُهُ إكْرَاهٌ وَلَا إجْبَارٌ ، وَعُدِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا .فَلَوْ تَكَافَأَ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ اثْنَانِ قُدِّمَ لَهَا اخْتِيَارًا أَسَنُّهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زِيَادَةُ السِّنِّ مَعَ كَمَالِ الْبُلُوغِ شَرْطًا ، فَإِنْ بُويِعَ أَصْغَرُهُمَا سِنًّا جَازَ ؛ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَشْجَعَ رُوعِيَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْوَقْتِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الشَّجَاعَةِ أَدْعَى لِانْتِشَارِ الثُّغُورِ وَظُهُورِ الْبُغَاةِ كَانَ الْأَشْجَعُ أَحَقَّ ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الْعِلْمِ أَدْعَى لِسُكُونِ الدَّهْمَاءِ وَظُهُورِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَانَ الْأَعْلَمُ أَحَقَّ ، فَإِنْ وَقَفَ الِاخْتِيَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ فَتَنَازَعَاهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّ التَّنَازُعَ فِيهَا لَا يَكُونُ قَدْحًا مَانِعًا .وَلَيْسَ طَلَبُ الْإِمَامَةِ مَكْرُوهًا ، فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ الشُّورَى فَمَا رُدَّ عَنْهَا طَالِبٌ وَلَا مُنِعَ مِنْهَا رَاغِبٌ