وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَوْزَارُ الْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ .وَالثَّانِي : أَثْقَالُ الْحَرْبِ وَهُوَ السِّلَاحُ وَفِي الْمَقْصُودِ بِهَذَا السِّلَاحِ الْمَوْضُوعِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا سِلَاحُ الْمُسْلِمِينَ بِالنَّصْرِ .وَالثَّانِي سِلَاحُ الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَلِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ شَرْحٌ يُذْكَرُ مَعَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ بَعْدُ ، وَالْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَبْذُلُوا مَالًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَالْمُوَادَعَةِ ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمْ وَيُوَادِعَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْذُلُوهُ لِوَقْتِهِمْ وَلَا يَجْعَلُوهُ خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا ، فَهَذَا الْمَالُ غَنِيمَةٌ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَمَانًا لَهُمْ فِي الِانْكِفَافِ بِهِ عَنْ قِتَالِهِمْ فِي هَذَا الْجِهَادِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ جِهَادِهِمْ فِيمَا بَعْدُ .وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَبْذُلُوهُ فِي كُلِّ عَامٍ فَيَكُونُ هَذَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا وَيَكُونُ الْأَمَانُ بِهِ مُسْتَقِرًّا وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ غَنِيمَةٌ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمَا يُؤْخَذُ فِي الْأَعْوَامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ يُقَسَّمُ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاوِدَ جِهَادَهُمْ مَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ لِاسْتِقْرَارِ الْمُوَادَعَةِ عَلَيْهِ .وَإِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ بِعَقْدِ الْمُوَادَعَةِ الْأَمَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ ، فَإِنْ مَنَعُوا الْمَالَ زَالَتْ الْمُوَادَعَةُ وَارْتَفَعَ الْأَمَانُ وَلَزِمَ جِهَادُهُمْ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .لَا يَكُونُ مَنْعُهُمْ مِنْ مَالِ الْجِزْيَةِ وَالصُّلْحِ نَقْضًا لِأَمَانِهِمْ ، لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ وَجَازَ حَرْبُهُمْ بَعْدَهَا ، لِأَنَّ الْعَهْدَ مَا كَانَ عَنْ عَقْدٍ وَالْخَصْلَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَسْأَلُوا الْأَمَانَ وَالْمُهَادَنَةَ ، فَيَجُوزُ إذَا تَعَذَّرَ الظَّفَرُ بِهِمْ وَأَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى الْمُسَالَمَةِ فِي مُدَّةٍ مُقَدَّرَةٍ يَعْقِدُ الْهُدْنَةَ عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الْهُدْنَةِ أَوْ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ .قَدْ * ( هَادَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ ) * .وَيَقْتَصِرُ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ وَلَا يُجَاوِزُ أَكْثَرُهَا عَشْرَ سِنِينَ ، فَإِنْ هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ مِنْهَا بَطَلَتْ الْمُهَادَنَةُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا ، وَلَهُمْ الْأَمَانُ فِيهَا إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا ، وَلَا يُجَاهِدُونَ فِيهَا مَا أَقَامُوا عَلَى الْعَهْدِ ، فَإِنْ نَقَضُوهُ صَارَ حَرْبًا يُجَاهِدُونَ مِنْ غَيْرِ إنْذَارِ .قَدْ نَقَضَتْ قُرَيْشٌ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ مُحَارِبًا حَتَّى فَتَحَ مَكَّةَ صُلْحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَنْوَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ وَلَا يَجُوزُ إذَا نَقَضُوا عَهْدَهُمْ أَنْ يُقْتَلَ مَا فِي أَيْدِينَا مِنْ رَهَائِنِهِمْ .قَدْ نَقَضَ الرُّومُ عَهْدَهُمْ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ وَفِي يَدِهِ رَهَائِنُ فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا مِنْ قَتْلِهِمْ وَخَلَّوْا سَبِيلَهُمْ وَقَالُوا وَفَاءٌ بِغَدْرٍ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ بِغَدْرٍ .وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : * ( أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) * .فَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُ الرَّهَائِنِ لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُهُمْ مَا لَمْ يُحَارِبْهُمْ فَإِذَا حَارَبَهُمْ وَجَبَ إطْلَاقُ رَهَائِنِهِمْ