الْمُسْلِمِينَ وَتَقْلِيدَ الْوَزِيرِ نِيَابَةٌ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَنْعَزِلُ الْوَزِيرُ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَزِلْ بِهِ الْأَمِيرُ لِأَنَّ الْوَزَارَةَ نِيَابَةٌ عَنْ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَارَةَ نِيَابَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمُ أَحَدِ قِسْمَيْ الْإِمَارَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ إمَارَةُ الِاسْتِكْفَاءِ الْمَعْقُودَةِ عَنْ اخْتِيَارٍ .وَنَحْنُ نُقَدِّمُ أَمَامَ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ مِنْهَا حُكْمَ الْإِمَارَةِ الْخَاصَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَقْدِ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ نَذْكُرُ الْقِسْمَ الثَّانِي فِي إمَارَةِ الِاسْتِيلَاءِ الْمَعْقُودَةِ عَنْ اضْطِرَارٍ لِنَبْنِيَ حُكْمَ الِاضْطِرَارِ عَلَى حُكْمِ الِاخْتِيَارِ فَيُعْلَمُ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ شُرُوطٍ وَحُقُوقٍ .فَأَمَّا الْإِمَارَةُ الْخَاصَّةُ ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ مَقْصُورَ الْإِمَارَةِ عَلَى تَدْبِيرِ الْجَيْشِ وَسِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَلِجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَاتِ .فَأَمَّا إقَامَةُ الْحُدُودِ فَمَا افْتَقَرَ مِنْهَا إلَى اخْتِيَارٍ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَافْتَقَرَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ لِتَنَاكُرِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لِإِقَامَتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَارِجَةِ عَنْ خُصُوصِ إمَارَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى اخْتِيَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ أَوْ افْتَقَرَ إلَيْهِمَا فَنَفَذَ فِيهِ اجْتِهَادُ الْحَاكِمِ أَوْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .فَإِنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَبَرًا بِحَالِ الطَّالِبِ ، فَإِنْ عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْحَاكِمِ كَانَ الْحَاكِمُ أَحَقَّ بِاسْتِيفَائِهِ لِدُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الَّتِي نَدَبَ الْحَاكِمُ إلَى اسْتِيفَائِهَا ، وَإِنْ عَدَلَ الطَّالِبُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ إلَى هَذَا الْأَمِيرِ كَانَ الْأَمِيرُ أَحَقَّ بِاسْتِيفَائِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَعُونَةٌ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ هُوَ الْأَمِيرُ دُونَ الْحَاكِمِ ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدُّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةُ كَحَدِّ الزِّنَا جَلْدًا أَوْ رَجْمًا فَالْأَمِيرُ أَحَقُّ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ الْحَاكِمِ لِدُخُولِهِ فِي قَوَانِينِ السِّيَاسَةِ وَمُوجِبَاتِ الْحِمَايَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْمِلَّةِ ، وَلِأَنَّ تَتَبُّعَ الْمَصَالِحِ مَوْكُولٌ إلَى الْأُمَرَاءِ الْمَنْدُوبِينَ إلَى الْبَحْثِ عَنْهَا دُونَ الْحُكَّامِ الْمُرْصَدِينَ لِفَصْلِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْخُصُومِ فَدَخَلَ فِي حُقُوقِ الْإِمَارَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إلَّا بِنَصٍّ وَخَرَجَ مِنْ حُقُوقِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إلَّا بِنَصٍّ .وَأَمَّا نَظَرُهُ فِي الْمَظَالِمِ ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا نَفَذَتْ فِيهِ الْأَحْكَامُ وَأَمْضَاهُ الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ ؛ جَازَ لَهُ النَّظَرُ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعُونَةً لِلْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ وَانْتِزَاعًا لِلْمُحِقِّ مِنْ الْمُعْتَرِفِ الْمُمَاطِلِ ، لِأَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّظَالُمِ وَالتَّغَالُبِ وَمَنْدُوبٌ إلَى الْأَخْذِ بِالتَّعَاطُفِ وَالتَّنَاصُفِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَظَالِمُ مِمَّا تُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْأَحْكَامُ وَيُبْتَدَأُ فِيهَا الْقَضَاءُ مُنِعَ مِنْهُ هَذَا الْأَمِيرُ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ