وَمِمَّا هُوَ عُمْدَةٌ نَظَرُهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّطْفِيفِ وَالْبَخْسِ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ وَالصَّنَجَاتِ لِوَعِيدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عِنْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ ، وَلْيَكُنْ الْأَدَبُ عَلَيْهِ أَظْهَرَ وَالْمُعَاقَبَةُ فِيهِ أَكْثَرَ .وَيَجُوزُ لَهُ إذَا اسْتَرَابَ بِمَوَازِينِ السُّوقَةِ وَمَكَايِيلِهِمْ أَنْ يَخْتَبِرَهَا وَيُعَايِرَهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى مَا عَايَرَهُ مِنْهَا طَابِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْعَامَّةِ لَا يَتَعَامَلُونَ إلَّا بِهِ كَانَ أَحْوَطَ وَأَسْلَمَ .فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَتَعَامَلَ قَوْمٌ بِغَيْرِ مَا طُبِعَ بِطَابِعِهِ تَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ مَبْخُوسًا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا لِمُخَالَفَتِهِ فِي الْعُدُولِ عَنْ مَطْبُوعِهِ وَإِنْكَارُهُ مِنْ الْحُقُوقِ السُّلْطَانِيَّةِ .وَالثَّانِي : لِلْبَخْسِ وَالتَّطْفِيفِ فِي الْحَقِّ وَإِنْكَارُهُ مِنْ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَإِنْ كَانَ مَا تَعَامَلُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَطْبُوعِ سَلِيمًا مِنْ بَخْسٍ وَنَقْصٍ تَوَجَّهَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ وَحْدَهَا لِأَجْلِ الْمُخَالَفَةِ ؛ وَإِنْ زَوَّرَ قَوْمٌ عَلَى طَابِعِهِ كَانَ الْمُزَوِّرُ فِيهِ كَالْمُبهَرِّجِ عَلَى طَابِعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنْ قُرِنَ التَّزْوِيرُ بِغِشٍّ كَانَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَالتَّأْدِيبُ مُسْتَحَقًّا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ السَّلْطَنَةِ مِنْ جِهَةِ التَّزْوِيرِ .وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فِي الْغِشِّ وَهُوَ أَغْلَظُ النُّكْرَيْنِ ، وَإِنْ سَلِمَ التَّزْوِيرُ مِنْ غِشٍّ تَفَرَّدَ بِالْإِنْكَارِ السُّلْطَانِيِّ مِنْهُمَا فَكَانَ أَحَقَّهُمَا .وَإِذَا اتَّسَعَ الْبَلَدُ حَتَّى احْتَاجَ أَهْلُهُ فِيهِ إلَى كَيَّالِينَ وَوَزَّانِينَ وَنَقَّادِينَ تَخَيَّرَهُمْ الْمُحْتَسِبُ وَمَنَعَ أَنْ يُنْتَدَبَ لِذَلِكَ إلَّا مَنْ ارْتَضَاهُ مِنْ الْأُمَنَاءِ الثِّقَاتِ وَكَانَتْ أُجُورُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ اتَّسَعَ لَهَا ، فَإِنْ ضَاقَ قَدْرُهَا لَهُمْ حَتَّى لَا يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ فِيهَا اسْتِزَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ فَيَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الْمُمَايَلَةِ وَالتَّحَيُّفِ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ .وَقَدْ كَانَ الْأُمَرَاءُ يَقُومُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَتَرْتِيبِهِمْ لِذَلِكَ وَيُثْبِتُونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فِي الدَّوَاوِينِ حَتَّى لَا يَخْتَلِطَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تُؤْمَنُ وَسَاطَتُهُ ، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْ أَحَدِ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَارِينَ لِلْكَيْلِ وَالْوَزْنِ تَحَيُّفٌ فِي تَطْفِيفٍ أَوْ مُمَايَلَةٌ فِي زِيَادَةِ أَدَبٍ أُخْرِجَ عَنْ جُمْلَةِ الْمُخْتَارِينَ وَمُنِعَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْوَسَاطَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اخْتِيَارِ الدَّلَّالِينَ يُقِرُّ مِنْهُمْ الْأُمَنَاءَ وَيَمْنَعُ الْخَوَنَةَ ، وَهَذَا مِمَّا يَتَوَلَّاهُ وُلَاةُ الْحِسْبَةِ إنْ قَعَدَ عَنْهُ الْأُمَرَاءُ .وَأَمَّا اخْتِيَارُ الْقُسَّامِ وَالزُّرَّاعِ فَالْقُضَاةُ أَحَقُّ بِاخْتِيَارِهِمْ مِنْ وُلَاةِ الْحِسْبَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُسْتَنَابُونَ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْعِيَبِ .وَأَمَّا اخْتِيَارُ الْحَرَّاسِينَ فِي الْقَبَائِلِ وَالْأَسْوَاقِ فَإِلَى الْحُمَاةِ وَأَصْحَابِ الْمَعَاوِنِ .وَإِذَا وَقَعَ فِي التَّطْفِيفِ تَخَاصُمٌ جَازَ أَنْ يَنْظُرَ الْمُحْتَسِبُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْخَصْمِ فِيهِ تَجَاحُدٌ وَتَنَاكُرٌ ، فَإِنْ أَفْضَى إلَى تَجَاحُدٍ وَتَنَاكُرٍ كَانَ الْقُضَاةُ أَحَقَّ بِالنَّظَرِ فِيهِ مِنْ وُلَاةِ الْحِسْبَةِ لِأَنَّهُمْ بِالْأَحْكَامِ أَحَقُّ وَكَانَ التَّأْدِيبُ فِيهِ إلَى الْمُحْتَسِبِ ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الْحَاكِمُ جَازَ لِاتِّصَالِهِ بِحُكْمِهِمْ .