يُسَمَّى زَاذَانُ فَرُّوخَ كَانَ مَعَهُ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ فَوَصَّلَهُ زاذان فَرُّوخَ بِالْحَجَّاجِ فَخَفَّ عَلَى قَلْبِهِ فَقَالَ صَالِحٌ لَزَادَانِ فَرُّوخَ إنَّ الْحَجَّاجَ قَدْ قَرَّبَنِي وَلَا آمَنُ عَلَيْكَ أَنْ يُقَدِّمَنِي عَلَيْكَ ، فَقَالَ : لَا تَظُنَّ ذَلِكَ فَهُوَ إلَيَّ أَحْوَجُ مِنِّي إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَكْفِيهِ حِسَابَهُ غَيْرِي ، فَقَالَ صَالِحٌ - وَاَللَّهِ - لَوْ شِئْتَ أَنْ أُحَوِّلَ الْحِسَابَ إلَى الْعَرَبِيَّةِ لَفَعَلْتُ ، قَالَ فَحَوَّلَ مِنْهُ وَرَقَةً أَوْ سَطْرًا حَتَّى أَرَى فَفَعَلَ ثُمَّ قُتِلَ زاذان فَرُّوخَ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ ، فَاسْتَخْلَفَ الْحَجَّاجُ صَالِحًا مَكَانَهُ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَاذَانَ فَرُّوخَ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَأَجَّلَهُ فِيهِ أَجَلًا حَتَّى نَقَلَهُ إلَى الْعَرَبِيَّةِ ، فَلَمَّا عَرَفَ مَرْدَانْ شَاهْ بْنُ زَاذَانَ فَرُّوخَ ذَلِكَ بَذَلَ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِيُظْهِرَ لِلْحَجَّاجِ الْعَجْزَ عَنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَقَالَ لَهُ قَطَعَ اللَّهُ أَوْصَالَكَ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا قَطَعْتَ أَصْلَ الْفَارِسِيَّةِ ، فَكَانَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ يَحْيَى كَاتِبُ مَرْوَانَ يَقُولُ لِلَّهِ دَرُّ صَالِحٍ مَا أَعْظَمَ مِنَّتَهُ عَلَى الْكِتَابِ . ( فَصْلٌ ) وَاَلَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ دِيوَانُ السَّلْطَنَةِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا يَخْتَصُّ بِالْجَيْشِ مِنْ إثْبَاتٍ وَعَطَاءٍ : وَالثَّانِي : مَا يَخْتَصُّ بِالْأَعْمَالِ مِنْ رُسُومٍ وَحُقُوقٍ .وَالثَّالِثُ : مَا يَخْتَصُّ بِالْعُمَّالِ مِنْ تَقْلِيدٍ وَعَزْلٍ .وَالرَّابِعُ : مَا يَخْتَصُّ بِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ دَخْلٍ وَخَرَاجٍ ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ يَتَضَمَّنُ تَفْصِيلُهَا مَا رُبَّمَا كَانَ لِكُتَّابِ الدَّوَاوِينِ فِي إفْرَادِهَا عَادَةً هُمْ بِهَا أَخَصُّ .فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : فِيمَا يَخْتَصُّ الْجَيْشَ مِنْ إثْبَاتٍ وَعَطَاءٍ فَإِثْبَاتُهُمْ فِي الدِّيوَانِ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهَا : الْوَصْفُ الَّذِي يُجَوِّزُ إثْبَاتَهُمْ .وَالثَّانِي : السَّبَبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ تَرْتِيبُهُمْ .وَالثَّالِثُ : الْحَالُ الَّتِي يُقَدَّرُ بِهِ عَطَاؤُهُمْ .فَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِ إثْبَاتِهِمْ فِي الدِّيوَانِ فَيُرَاعَى فِيهِ خَمْسَةُ أَوْصَافٍ : أَحَدُهَا : الْبُلُوغُ فَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنْ جُمْلَةِ الذَّرَارِيِّ وَالْأَتْبَاعِ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُثْبَتَ فِي دِيوَانِ الْجَيْشِ فَكَانَ جَارِيًا فِي عَطَاءِ الذَّرَارِيِّ .وَالثَّانِي : الْحُرِّيَّةُ ، لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي عَطَائِهِ ؛ وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ اعْتِبَارَ الْحُرِّيَّةِ ، وَجَوَّزَ إفْرَادَ الْعَبْدِ بِالْعَطَاءِ فِي دِيوَانِ الْمُقَاتِلَةِ ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ وَخَالَفَهُ فِيهِ عُمَرُ وَاعْتَبَرَ الْحُرِّيَّةَ فِي الْعَطَاءِ ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ .وَالثَّالِثُ : الْإِسْلَامُ لِيَدْفَعَ عَنْ الْمِلَّةِ بِاعْتِقَادِهِ وَيُوَثِّقَ بِنُصْحِهِ وَاجْتِهَادِهِ ، فَإِنْ أَثْبَتَ فِيهِمْ ذِمِّيًّا لَمْ يَجُزْ ، وَإِنْ ارْتَدَّ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ سَقَطَ .