لَئِنْ كَثُرَ الْمَالُ لَأَفْرِضُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ أَلْفًا لِفَرَسِهِ وَأَلْفًا لِسِلَاحِهِ وَأَلْفًا لِسَفَرِهِ وَأَلْفًا يُخْلِفُهَا فِي أَهْلِهِ ؛ وَفَرَضَ لِلْمَنْفُوسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَإِذَا تَرَعْرَعَ بَلَغَ بِهِ مِائَتِي دِرْهَمٍ ، فَإِذَا بَلَغَ زَادَهُ ، وَكَانَ لَا يَفْرِضُ لِمَوْلُودٍ شَيْئًا حَتَّى يُفْطَمَ إلَى أَنْ سَمِعَ امْرَأَةً ذَاتَ لَيْلَةٍ ، وَهِيَ تُكْرِهُ وَلَدَهَا عَلَى الْفِطَامِ ، وَهُوَ يَبْكِي فَسَأَلَهَا عَنْهُ ؟ فَقَالَتْ : إنَّ عُمَرَ لَا يَفْرِضُ لِلْمَوْلُودِ حَتَّى يُفْطَمَ فَأَنَا أُكْرِهُهُ عَلَى الْفِطَامِ حَتَّى يَفْرِضَ لَهُ فَقَالَ : يَا وَيْلَ عُمَرِكُمْ احْتَقَبَ مِنْ وِزْرٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ أَمَرَ عُمُرُ مُنَادِيَهُ فَنَادَى : أَلَّا تُعَجِّلُوا أَوْلَادَكُمْ بِالْفِطَامِ فَإِنَّا نَفْرِضُ لِكُلِّ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَام ، ثُمَّ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْعَوَالِي وَكَانَ يُجْرِي عَلَيْهِمْ الْقُوتَ ، فَأَمَرَ بِجَرِيبٍ مِنْ الطَّعَامِ فَطُحِنَ ثُمَّ خُبِزَ ثُمَّ ثُرِدَ ثُمَّ دَعَا ثَلَاثِينَ فَأَكَلُوا مِنْهُ غَدَاهُمْ حَتَّى أَصَدَرَهُمْ ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الْعَشَاءِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ : يَكْفِي الرَّجُلَ جَرِيبَانِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَكَانَ يَرْزُقُ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ جَرِيبَيْنِ فِي كُلِّ شَهْرٍ ، وَكَانَ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى صَاحِبِهِ قَالَ لَهُ : قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ جَرِيبَكَ .وَكَانَ الدِّيوَانُ مَوْضُوعًا عَلَى دَعْوَةِ الْعَرَبِ فِي تَرْتِيبِ النَّاسِ فِيهِ مُعْتَبَرًا بِالنَّسَبِ ، وَتَفْضِيلُ الْعَطَاءِ مُعْتَبَرًا بِالسَّابِقَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُسْنِ الْأَثَرِ فِي الدِّينِ ، ثُمَّ رُوعِيَ فِي التَّفْضِيلِ عِنْدَ انْقِرَاض أَهْلِ السَّوَابِقِ بِالتَّقَدُّمِ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْبَلَاءِ فِي الْجُهْدِ ؛ فَهَذَا حُكْمُ دِيوَانِ الْجَيْشِ فِي ابْتِدَاءِ وَضْعِهِ عَلَى الدَّعْوَةِ الْقَرِيبَةِ وَالتَّرْتِيبِ الشَّرْعِيِّ .وَأَمَّا دِيوَانُ الِاسْتِيفَاءِ وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ فَجَرَى هَذَا الْأَمْرُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ، فَكَانَ دِيوَانُ الشَّامِ بِالرُّومِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ مَمَالِيكِ الرُّومِ وَكَانَ دِيوَانُ الْعِرَاقِ بِالْفَارِسِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ مَمَالِيكِ الْفُرْسِ ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمَا جَارِيًا عَلَى ذَلِكَ إلَى زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَنَقَلَ دِيوَانَ الشَّامِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ .وَكَانَ سَبَبُ نَقْلِهِ إلَيْهِ مَا حَكَاهُ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ بَعْضَ كُتَّابِ الرُّومِ فِي دِيوَانِهِ أَرَادَ مَاءً لِدَوَاتِهِ فَبَالَ فِيهَا بَدَلًا مِنْ الْمَاءِ فَأَدَّبَهُ ، وَأَمَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ سَعْدٍ أَنْ يَنْقُلَ الدِّيوَانَ إلَى الْعَرَبِيَّةِ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ بِخَرَاجِ الْأُرْدُنِّ سَنَةً فَفَعَلَ وَوَلَّاهُ الْأُرْدُنَّ وَكَانَ خَرَاجُهُ مِائَةً وَثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَلَمْ تَنْقَضِ السَّنَةُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الدِّيوَانِ فَنَقَلَهُ .وَأَتَى بِهِ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَدَعَا سَرْجُونٌ كَاتِبَهُ فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَغَمَّهُ وَخَرَجَ كَئِيبًا ؛ فَلَقِيَهُ قَوْمٌ مِنْ كُتَّابِ الرُّومِ فَقَالَ لَهُمْ : اُطْلُبُوا الْمَعِيشَةَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَقَدْ قَطَعَهَا اللَّهُ عَنْكُمْ .وَأَمَّا دِيوَانُ الْفَارِسِيَّةِ بِالْعِرَاقِ فَكَانَ سَبَبُ نَقْلِهِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ كَاتِبَ الْحَجَّاجِ كَانَ