وَالْقَوْلُ الثَّانِي : يَجُوزُ إقْطَاعُهُ لِرِوَايَةِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : * ( أَقْطَعَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ جَلْسِيَّهَا وَغَوْرِيَّهَا ، وَحَيْثُ يَصْلُحُ الزَّرْعُ مِنْ قَدَسٍ وَلَمْ يُقْطِعْهُ حَقَّ مُسْلِمٍ ) * .وَفِي الْجَلْسِيِّ وَالْغَوْرَى تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلُهَا ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ .وَالثَّانِي : أَنَّ الْجِلْسِيَّ بِلَادُ نَجْدٍ وَالْغَوْرَى بِلَادُ تِهَامَةَ ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ ( مِنْ الطَّوِيلِ ) : فَمَرَّتْ عَلَى مَاءِ الْعُذَيْبِ وَعَيْنُهَا كَوَقْبِ الْحَصَى جَلْسِيُّهَا قَدْ تَغَوَّرَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِهَا وَلَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْهَا .وَفِي حُكْمِهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ يَصِيرُ بِهِ الْمُقْطَعُ مَالِكًا لِرَقَبَةِ الْمَعْدِنِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ عَمَلِهِ وَبَعْدَ قَطْعِهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فِي حَيَاتِهِ وَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ .وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إقْطَاعُ إرْفَاقٍ لَا يَمْلِكُ بِهِ رَقَبَةَ الْمَعْدِنِ وَيَمْلِكُ بِهِ الِارْتِفَاقَ بِالْعَمَلِ فِيهِ مُدَّةَ مَقَامِهِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُ فِيهِ مَا أَقَامَ عَلَى الْعَمَلِ ، فَإِذَا تَرَكَهُ زَالَ حُكْمُ الْإِقْطَاعِ عَنْهُ وَعَادَ إلَى حَالِ الْإِبَاحَةِ ؛ فَإِذَا أَحْيَا مَوَاتًا بِإِقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِ إقْطَاعٍ فَظَهَرَ فِيهِ بِالْإِحْيَاءِ مَعْدِنٌ ظَاهِرٌ أَوْ بَاطِنٌ مَلَكَهُ الْمُحْيِي عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا يَمْلِكُ مَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْعُيُونِ وَاحْتَفَرَهُ مِنْ الْآبَارِ