أَرْبَابُهُ أَوْ هَلَكُوا فَكَانَ مَبْلَغُ غَلَّتِهَا تِسْعَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا مِنْهَا ، ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْطَعَهَا ؛ لِأَنَّهُ رَأَى إقْطَاعَهَا أَوْفَرَ لِغَلَّتِهَا مِنْ تَعْطِيلِهَا وَشَرَطَ عَلَى مَنْ أَقْطَعَهَا إيَّاهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَقَّ الْفَيْءِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إقْطَاعَ إجَارَةٍ لَا إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ فَتَوَفَّرَتْ غَلَّتُهَا حَتَّى بَلَغَتْ عَلَى مَا قِيلَ خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَكَانَ مِنْهَا صَلَاتُهُ وَعَطَايَاهُ ثُمَّ تَنَاقَلَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْجَمَاجِمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الْأَشْعَثِ أَحْرَقَ الدِّيوَانَ وَأَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ مَا يَلِيهِمْ ، فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعَامِرِ لَا يَجُوزُ إقْطَاعُ رَقَبَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِاصْطِفَائِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ مِلْكًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَجَرَى عَلَى رَقَبَتِهِ حُكْمُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ ، وَصَارَ اسْتِغْلَالُهُ هُوَ الْمَالَ الْمَوْضُوعَ فِي حُقُوقِهِ .وَالسُّلْطَانُ فِيهِ بِالْخِيَارِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَخَيَّرَ لَهُ مِنْ ذَوِي الْمُكْنَةِ وَالْعَمَلِ مَنْ يَقُومُ بِعِمَارَةِ رَقَبَتِهِ بِخَرَاجٍ يُوضَعُ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ بِوُفُورِ الِاسْتِغْلَالِ وَنَقْصِهِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ أُجْرَةَ تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا بِالْخُمُسِ فَيُصْرَفُ فِي أَهْلِ الْخُمُسِ ، فَإِنْ كَانَ مَا وَضَعَهُ مِنْ الْخَرَاجِ مُقَاسَمَةً عَلَى الشَّطْرِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ جَازَ فِي النَّخْلِ كَمَا * ( سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ثِمَارِ النَّخْلِ ) * ، وَجَوَازُهَا فِي الزَّرْعِ مُعْتَبَرٌ بِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الْمُخَابَرَةِ ، فَمَنْ أَجَازَهَا أَجَازَ الْخَرَاجَ بِهَا ، وَمَنْ مَنَعَ مِنْهَا مَنَعَ مِنْ الْخَرَاجِ بِهَا ، وَقِيلَ بَلْ يَجُوزُ الْخَرَاجُ بِهَا ، وَإِنْ مَنَعَ الْمُخَابَرَةَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَتَّسِعُ حُكْمُهَا عَنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ ، وَيَكُونُ الْعُشْرُ وَاجِبًا فِي الزَّرْعِ دُونَ الثَّمَرِ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مِلْكٌ لِزَارِعِيهِ ، وَالثَّمَرَةُ مِلْكٌ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْرُوفَةٌ فِي مَصَالِحِهِمْ .وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعَامِرِ : أَرْضُ الْخَرَاجِ فَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُ رِقَابِهِمْ تَمْلِيكًا لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَكُونُ رِقَابُهُمْ وَقْفًا وَخَرَاجُهَا أُجْرَةً ، فَتَمْلِيكُ الْوَقْفِ لَا يَصِحُّ بِإِقْطَاعٍ وَلَا بَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ .وَضَرْبٌ يَكُونُ رِقَابُهَا مِلْكًا ، وَخَرَاجُهَا جِزْيَةً فَلَا يَصِحُّ إقْطَاعُ مَمْلُوكٍ تَعَيَّنَ مَالِكُوهُ ، فَأَمَّا إقْطَاعُ خَرَاجِهَا فَنَذْكُرُهُ بَعْدُ فِي إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ .وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا مَاتَ عَنْهُ أَرْبَابُهُ وَلَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَارِثُهُ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ فَيَنْتَقِلُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ مِيرَاثًا لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَصْرُوفًا فِي مَصَالِحِهِمْ .وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِيرَاثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مَصْرُوفٌ فِي الْفُقَرَاءِ خَاصَّةً صَدَقَةً عَنْ الْمَيِّتِ ، وَمَصْرِفُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ أَعَمُّ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْخَاصَّةِ وَصَارَ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ