نام کتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم نویسنده : التهانوي، محمد علي جلد : 2 صفحه : 1054
الحكمة قالوا: بما أنّ القوى الفلكية تؤثّر في العناصر بواسطة
التّسخين و التّبخير فتتحرّك و تختلط ببعضها، و ينشأ من اختلاط العناصر ببعضها عدة
مخلوقات من مخلوقات أخرى.
فمثلا: بما أنّ حرارة الصيف تؤثّر في العناصر فيتصاعد بخار الماء من
البحار و الدّخان من الأرض نحو السماء، و من ثمّ يعلو الدّخان حينا عن الهواء حتى
يصل إلى كرة النار فيشتعل، و قد يستمرّ حينا من الزمن لعدة أيام في اشتعال بسبب
غلظ قوام مادّة الدخان. و يبدو للناظر بشكل مذنّب أو حربة أو سالفة من الشعر أو
غير ذلك، و إذا كان بعد الاشتعال زائلا عن قريب فيكون شهابا.
و في بعض الحالات لا يشتعل بل يكون قابلا للاحتراق و يبدو للناظر
للسّماء كقطعة حمراء أو سوداء أو زرقاء بين السّماء و الأرض.
و ينقسم البخار حال ارتفاعه من الأرض إلى عدد من الأقسام: فمرة يكون
لطيفا و خفيفا فيعلو كثيرا فيصل إلى مكان ينقطع فيه انعكاس أشعة الشمس من الأرض
فيبرد و يتكثّف ثمّ ينزل إلى الأرض على شكل قطرات. و يقال لهذا البخار المتكيّف
الغيم. و تلك القطرات من الماء تسمّى المطر. و حينا آخر لا يكون البخار لطيفا بل
ثقيلا، و لذلك فإنّه لا يرتفع عن سطح الأرض كثيرا، ثم إنّه بسبب البرد في أواخر
الليل فإنّه يتجمّد (يتكثف) فيقع و يقال له آنذاك قطر النّدى. و إذا اشتدّ البرد
بدرجة أكبر فإنّ البخار يتجمّد و ينزل على الأرض بصورة حبّات من الثلج تسمّى
البرد.
و قالوا أيضا: متى ارتفع الغبار و البخار و الدّخان المخلوطة بعضها
ببعض ثم انفصل كلّ منها عن الآخر، فحينئذ تهبّ ريح قوية و أعاصير شديدة.
و إذا وصل البخار و الدّخان إلى درجة البرودة فإنّ البخار يبرد
فيتغلغل فيه الدّخان حتى ينفذ إلى الطبقات العليا، و عن هذا التغلغل يحدث صوت قوي
هو الذي يقال له الرّعد، و أحيانا بسبب شدّة التغلغل و الحركة يشتعل ذلك الدّخان
فيكون منه البرق.
و حينا آخر بسبب شدّة التكثّف و البرودة معا فإنّ البخار يتجمّد فيقع
على الأرض و هو ما يسمّى حينئذ بالصاعقة.
هذا و إنّ هؤلاء الحكماء (أصحاب هذه الأقوال) بسبب ضعف و سائلهم لم
يستطيعوا أن يتصوّروا شيئا آخر مؤثّرا في العناصر سوى قابلية تلك المواد للتأثير و
التأثّر فلذلك اكتفوا بذلك.
و في الحقيقة: هناك أسباب أخرى بالإضافة إلى الأسباب المذكورة و هي
مؤثّرة و عاملة في هذا المصنع العظيم (الكون)، بل جميع الكائنات، و تلك هي الأرواح
(الملائكة) المدبّرة و الموكلة في إدارة شئون الكائنات المادّية و صورها.
و هذه الأرواح تابعة لأمر اللّه (كن فيكون)، و لا تقوم بأيّ عمل من
تلقاء ذاتها. و عليه فالاقتصار على رؤية الأسباب المادية الظاهرة خطأ و غفلة عن
قدرة مسبّب الأسباب، سبحانه ما أعظم شأنه. كما أنّ نفي تأثير الأسباب هو إنكار لحكمة
الحكيم على الإطلاق و لفوائد الأسباب في هذا الكون، فسبحانه ما أحكم بنيانه.
و إذن فالأسلم في عدم الإفراط و لا التفريط بل التوسّط و هو الاعتقاد
بأنّ اللّه سبحانه هو الفاعل الحقيقي و المكوّن لكلّ كائن بلا واسطة.
أمّا توسيط الأسباب فبناء على إجراء و تنفيذ عادته، و من أجل إظهار
قدرته و حكمته.
و أمّا في حال الاعتقاد حسب الصورة الأولى فإنّه يؤدّي إلى تعطيل
قدرة اللّه سبحانه، و أمّا على التقدير الثاني فيؤدي للاعتقاد بالعبثية
نام کتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم نویسنده : التهانوي، محمد علي جلد : 2 صفحه : 1054