بالكسر و التّشديد هو القوة المدركة النفسانية، و أيضا وجع يأخذ
النساء بعد الولادة.
و الحواس هي المشاعر الخمس و هي البصر و السمع و الذوق و الشم و
اللمس، كذا في بحر الجواهر. و الحواس جمع الحاسة و هي الخمس المذكورة على ما في
المنتخب، و الاقتصار على تلك الخمس بناء على أنّ أهل اللغة لا يعرفون إلّا هذه
الخمس الظاهرة، كما أنّ المتكلمين لا يثبتون إلّا هذه. و أمّا الحواس الخمس
الباطنة و هي الحسّ المشترك و الخيال. و الوهم و الحافظة و المتصرّفة فإنّما هي من
مخترعات الفلاسفة. فإن قلت تعريف الحسّ بالقوة المدركة غير جامع على مذهب الفلاسفة
لخروج الخيال و الذاكرة و المتصرفة لأنها ليست مدركة بل معينة في الإدراك، قلت
المراد بالمدركة على مذهبهم القوة التي بها يمكن الإدراك سواء كانت مدركة في نفسها
أو معينة.
اعلم أنّ الحكماء و المتكلمين قالوا العقل حاكم بالضرورة بوجود
الحواس الخمس الظاهرة لا بحصرها في الخمس، لجواز أن يتحقق في نفس الأمر حاسة أخرى
لبعض الحيوانات و إن لم نعلمها، كما أنّ الأكمه لا يعلم قوة الإبصار. ثم إنه لا
شكّ أنّ اللّه تعالى خلق كلّا من الحواس لإدراك أشياء مخصوصة كالسمع لأصوات و
الذوق للطعوم و الشم للروائح لا يدرك بها ما يدرك بالحاسة الأخرى. و أمّا أنّه هل
يجوز ذلك ففيه خلاف. فالحكماء و المعتزلة قالوا بعدم الجواز، و أهل السّنة
بالجواز، لما أنّ ذلك بمحض خلق اللّه تعالى من غير تأثير للحواس فيها، فلا يمتنع
أن يخلق عقيب صرف الباصرة إدراك الأصوات مثلا، و لكن اتفقوا على عدم الجواز
بالفعل. فإن قيل الذائقة تدرك حلاوة الشيء و حرارته معا، قلنا: لا بل الحلاوة
تدرك بالذوق و الحرارة باللمس الموجودين في الفم و اللسان. و أمّا الحواس الباطنة
فقال الحكماء المفهوم إمّا كلي أو جزئي، و الجزئي إمّا صور و هي المحسوسة بإحدى
الحواس الظاهرة، و إمّا معان و هي الأمور الجزئية المنتزعة من الصّور المحسوسة، و
لكل واحد من الأقسام الثلاثة مدرك و حافظ.
فمدرك الكلي و ما في حكمه من الجزئيات المجرّدة عن العوارض المادية
هو العقل و حافظة المبدأ الفيّاض. و مدرك الصّور هو الحسّ المشترك و حافظها
الخيال. و مدرك المعاني هو الوهم و حافظ الذاكرة؛ و لا بدّ من قوة أخرى متصرّفة
سمّيت مفكرة و متخيلة. و بهذه الأمور السبعة تنتظم أحوال الإدراكات كلها. هذا كلام
على الإجمال، و تفصيل كل منها يطلب من موضعه.
تنبيه
الحواس الباطنة أثبتها بعض الفلاسفة و أنكرها أهل الإسلام. و توضيحه
على ما ذكره المولوي عبد الحكيم في حاشية الخيالي في بيان أسباب العلم أنّ
المحققين اتفقوا على أنّ المدرك للكليات و الجزئيات هو النفس الناطقة، و أنّ نسبة
الإدراك إلى قواها نسبة القطع إلى السكين. و اختلفوا في أنّ صور الجزئيات المادية
ترتسم فيها أو في آلاتها. فذهب جماعة إلى أنّ النفس ترتسم صور الكليات فيها، و صور
الجزئيات المادية ترتسم في آلاتها بناء على أنّ النفس بسيطة مجردة، و تكيّفها
بالصور الجزئية