من غير إعادة محاكاته ليحلّ في الحاضر كنظم معرفي، بل كنظم لغوي و
موروث غزير من المعاني قابع في اللامفكر فيه. إن هذه الرؤية و ذاك الهدف يتّضح
تباعا في عملية حصر المصطلح بتنصيب اللغة و توظيفها وسيطا بين الماضي و الحاضر
لتسويغها في استقبال المستجدّ المنطقي و المعرفي، بالتجوّز و المناسبة و الملاءمة
بين الدلالات و التصوّرات و الأحكام. و بهذا تتزاوج و تتلاقح الشكلانية الصورية في
المنطق مع الشكلانية اللسنية الدلالية في اللغة لخدمة الإحياء و التجديد ثم
التوليد و الابتكار.
و مما لا ريب فيه أن عملية احتباس الحاضر المعرفي في قيود الماضي لن
تؤدّي إلى بناء مشروعية المستقبل، و لن تجدي نفعا أو تصيب مرمى. لهذا هدف عمل
الحصر المصطلحي إلى إبراز معظم المفاهيم المنطقية بأسهل أسلوب و أيسره تمهيدا لوعي
هذا الحقل في الثقافة العربية و الإسلامية كأحد مكوّنات النظم المعرفية التراثية.
و لا سيما أن هذا الوعي يسلك مسلك إعادة الذاكرة و قراءتها بهدي أدوات التفكير
المعاصر و اكتشافاته، إفصاحا عن مكامن الذات الجماعية المعرفية و تشريحها. فالمراد
إصابة هدفين: لغوي، و معرفي.
و لعلّ هذين الهدفين يسعيان لاحقا إلى استقبال المعاني الجديدة و
الحث على تطوير الاشتقاقات و الدلالات اللغوية، مرحلة تهيئة لإبداع الفكر و تمثّل
العلوم و التكنولوجيا، مشاركة في عالمية العصر.
هدف موسوعة المنطق و ميّزاتها
في هذا الإطار بالذات، تتوجّه موسوعة مصطلحات المنطق عند العرب، مع
مثيلاتها المقبلات في سائر العلوم العربية و الاسلامية، نحو سبر معظم المصطلحات و
الألفاظ و جمعها. فحتى الأمس القريب ما برح الباحثون و النقاد في مجال علم المنطق
يحتاجون إلى دقة و تدقيق في مضامين كل مصطلح للاهتداء إلى كيفية استعماله أو فهم
معانيه و مناحيه. فهذا العمل سيسهم في الحفاظ على ثروة منطقية، و يفتح آفاقا واسعة
امام أعمال منطقية مستقبلية، بمثل ما يتيح الفرصة للدارس و المحلّل أن يتعمّق في
المفاهيم المنطقية كالقياس و البرهان و الحدّ و القضية و الشكل و الكلّيات، و
يتناول تفريعاتها و تطبيقاتها بالتمحيص و التبيان وعيا للأبعاد و المميّزات،
فيقارن ما شاء له. و قد جاءت هذه المصطلحات على تدرج زمني امتد على مدى ثمانية عشر
قرنا (300 ق. م- 1500 م)؛ فشملت أعمال أرسطو المنطقية منقولة إلى العربية، و
أعمال