الْحَالَةَ الثَّالِثَةَ الَّتِى جَعَلُوهَا لَيْسَ لَهَا حَدُّ الصِّحَّةِ، إذِ الصِّحَّةُ [1] مَلَكَةٌ أوْ حَالَةٌ
تَصْدُرُ عَنْهَا الأفْعَالُ مِنَ الْمَوْضُوعِ لَهَا سَلِيمَةً، وَلا لَهَا مُقَابِلُ هَذَا الْحَدِّ إلا
أنْ يَحُدُّوا الصِّحَّةَ كَمَا يَشْتَهُونَ وَيَشْتَرِطُونَ فِيهِ شُرُوطاً مَا بِهِمْ إلَيْهَا حَاجَةٌ. ثُمَ
لا مُنَاقَشَةَ مَعَ الأَطِبَّاءِ فِى هَذَا، وَمَا هُمْ مِمَّنْ يُنَاقَشُونَ فِى مِثْلِهِ، وَلا تُؤَدِّى
هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ بِهِمْ أوْ بِمَنْ يُنَاقِشُهُمْ [2] إلَى فَائِدَةٍ فِى الطِّبِّ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْحَقِ
فِى ذَلِكَ فَمِمَّا يَلِيقُ بِأُصُولِ صِنَاعَةٍ أُخْرَى، نَعْنِى أُصُولَ صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ،
فَلْيُطْلَبْ مِنْ هُنَاكَ. [3]
الْفَصْلُ الثَّانِى فِى مَوْضُوعَاتِ الطِّبِ
لَمَّا كَانَ الطِّبُّ يَنْظُرُ فِى بَدَنِ الإنْسَانِ مِنْ جِهَةِ مَا يَصِحُّ وَ يَزُولُ عَنِ الصِّحَّةِ، وَ الْعِلْمُ بِكُلِّ شَىْءٍ إنَّمَا يَحْصُلُ وَ يَتِمُّ، إذَا كَانَ لَهُ أَسْبَابٌ، أنْ يُعْلَمَ مِنْ أسْبَابِهِ، [4] فَيَجِبُ أنْ يُعْرَفَ فِى الطِّبِّ، أسْبَابُ الصِّحَّةِ وَ الْمَرَضِ، وَ الصِّحَّةُ وَ الْمَرَضُ [5] وَ أَسْبَابُهُمَا قَدْ يَكُونَانِ ظَاهِرَيْنِ، وَقَدْ يَكُونَانِ خَفِيَّيْنِ لا يُنَالانِ بِالْحِسِّ بَلْ بِالاسْتِدْلالِ مِنَ الْعَوَارِضِ، فَيَجِبُ أيْضاً أنْ تُعْرَفَ فِى الطِّبِّ الْعَوَارِضُ الَّتِى تَعْرِضُ فِى الصِّحَّةِ وَ الْمَرَضِ. وَ قَدْ تَبَيَّنَ فِى الْعُلُومِ الْحَقِيقِيَّةِ، أنَّ الْعِلْمَ بِالشَّىْ ءِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ بِأسْبَابِهِ وَ مَبَادِيهِ إنْ كَانَتْ لَهُ، وَ إنْ لَمْ تَكُنْ فَإنَّمَا يَتِمُّ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ بِعَوَارِضِهِ وَلَوَازِمِهِ الذَّاتِيَّةِ. لَكِنِ الأسْبَابُ أَرْبَعَةُ أصْنَافٍ: مَادِّيَّةٌ، وَ فَاعِلِيَّةٌ، وَصُورِيَّةٌ، وَ تَمَامِيَّةٌ. وَ الأسْبَابُ الْمَادِّيَّةُ: هِىَ الأشْيَاءُ الْمَوْضُوعَةُ الَّتِى فِيهَا تَتَقَوَّمُ [6]
[1] ب: اذ الصحة. ط، ج: وهى. آ: هى.
[2] ب: يناقشهم. ط، ج: يناقضهم آ: هذا المناقشة لهم أو معهم إلَى فائدة.
[3] ب:+ نعنى أصول صناعة المنطق فليطلب من هناك ط، ج،- نعنى أصول صناعة المنطق فليطلب من هناك.
[4] ط: أن يعلم من أسبابه (تحفه سعديه) ب: بعلم أسبابه.
[5] ط: لأن الصحة و المرض. ب: و الصحة و المرض.
[6] ب: تتقوّم. ط، آ، ج: يتقرّر.