الْفَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِى تَشْرِيحِ الأضْلاعِ
الأضْلاعُ وِقَايَةٌ لِمَا تُحِيطُ بِهِ مِنْ آلاتِ التَّنَفُّسِ وَ أَعَالِى آلاتِ الْغِذَاءِ، وَ لَمْ تُجْعَلْ عَظْماً وَاحِداً لِئَلَّا تَثْقُلَ، وَ لِئَلَّا تَعُمَّ آفَةٌ إنْ عَرَضَتْ، وَلِيَسْهُلَ الانْبِسَاطُ إذَا زَادَتِ الْحَاجَةُ عَلَى مَا فِى الطَّبْعِ أوِ امْتَلَأتِ الأَحْشَاءُ مِنَ الْغِذَاءِ وَ النَّفْخِ، فَاحْتِيجَ إلَى مَكَانٍ [1] أَوْسَعَ لِلْهَوَاءِ الْمُجْتَذَبِ وَلِيَتَخَلَّلَهَا عَضَلُ الصَّدْرِ الْمُعِينَةُ فِى أَفْعَالِ التَّنَفُّسِ وَ مَا يَتَّصِلُ بِهِ. وَ لَمَّا كَانَ الصَّدْرُ يُحِيطُ بِالرِّئَةِ وَ الْقَلْبِ وَ مَا مَعَهُمَا مِنَ الأَعْضَاءِ، وَجَبَ أنْ يُحْتَاطَ فِى وِقَايَتِهِمَا أَشَدَّ الاحْتِيَاطِ، فَإنَّ تَأْثِيرَ الآفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا أَعْظَمُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإنَّ تَحْصِينَهَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ لا يَضِيقُ عَلَيْهَا وَلا يَضُرُّهَا، فَخُلِقَتِ الأضْلاعُ السَّبْعَةُ العُلَى [2] مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا فِيهَا مُلْتَقِيَةً عِنْدَ الْقَصِّ مُحِيطَةً بِالْعُضْوِ الرَّئِيسِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ. وَ أَمَّا مَا يَلِى آلاتِ الْغِذَاءِ، فَخُلِقَتْ كَالْمِحْرَزَةِ [3] مِنْ خَلْفُ حَيْثُ لا تُدْرِكُهُ حِرَاسَةُ الْبَصَرِ وَلَمْ يَتَّصِلْ مِنَ قُدَّامُ بَلْ دُرِّجَتْ يَسِيراً يَسِيراً فِى الانْقِطَاعِ فَكَانَ أَعْلاهَا أَقْرَبَ مَسَافَةً مَا بَيْنَ أَطْرَافِهَا الْبَارِزَةِ وَأَسْفَلُهَا أَبْعَدَ مَسَافَةً، وَذَلِكَ لِيَجْمَعَ إلَى وِقَايَةِ أَعْضَاءِ الْغِذَاءِ مِنَ الْكَبِدِ وَ الطِّحَالِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ تَوسِيعاً لِمَكَانِ الْمَعِدَةِ فَلا يَنْضَغِطُ عِنْدَ امْتِلَائِهَا مِنَ الأغْذِيَةِ وَ مِنَ النَّفْخِ، فَالأَضْلاعُ السَّبْعَةُ العُلَى [4] تُسَمَّى أَضْلاعَ الصَّدْرِ، وَهِىَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ سَبْعَةٌ، وَ الْوُسْطَيَانِ مِنْهَا أَكْبَرُ وَ أَطْوَلُ وَالأَطْرَافُ أَقْصَرُ، فَإنَّ هَذَا الشَّكْلَ أَحْوَطُ فِى الاشْتِمَالِ مِنَ الْجِهَاتِ عَلَى الْمُشْتَمَلِ عَلَيْهِ، وَ هَذِهِ الأضْلاعُ تَمِيلُ أَوَّلًا عَلَى
[1] ط، آ، ج: مكان. ب: ما كان.
[2] ب، ج: العُلَى. ط: العُلْيا.
[3] ب، ج: كالمخرزة. ط، آ: كالمحرزة.
[4] ب، ج: العلى. ط: العليا. آ: العالية.