تَابِعَةٌ لِكَثْرَةِ الدَّمِ، وَضَعْفَهُ تَابِعٌ لِقِلَّتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْمُعْتَبَرُ حَالُ رُزْءِ الْبَدَنِ مِنْهُ أىْ حَالُ صَلاحِهِ [1].
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أنَّ الأخْلاطَ إذَا زَادَتْ أوْ نَقَصَتْ بَعْدَ أنْ تَكُونَ عَلَى النِّسْبَةِ الَّتِى يَقْتَضِيهَا بَدَنُ الإنْسَانِ فِى مَقَادِيرَ بَعْضِهَا عِنْدَ بَعْضٍ، فَإنَّ الصِّحَّةَ مَحْفُوظَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأخْلاطِ مَعَ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ فِى الْكَمِّ مَحْفُوظٌ لَيْسَ بِالْقِيَاسِ إلَى خِلْطٍ آخَرَ، بَلْ فِى نَفْسِهِ مَعَ حِفْظِ التَّقْدِيرِ الَّذِى بِالْقِيَاسِ إلَى غَيْرِهِ.
وَ قَدْ بَقِىَ فِى أُمُورِ الأخْلاطِ مَبَاحِثُ لَيْسَتْ تَلِيقُ بِالأَطِبَّاءِ أنْ يَبْحَثُوا فِيهَا، إذْ لَيْسَتْ مِنْ صِنَاعَتِهِمْ [2] بَلْ بِالْحُكَمَاءِ [3] فَأَعْرَضْنَا عَنْهَا.
الْفَصْلُ الثَّانِى [4] فِى كَيْفِيَّةِ تَوَلُّدِ الأَخْلاطِ
فَاعْلَمْ أنَّ الْغِذَاءَ لَهُ انْهِضَامٌ مَا بِالْمَضْغِ، وَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّ سَطْحَ الفَمِ مُتَّصِلٌ بِسَطْحِ الْمَعِدَةِ، بَلْ كَأنَّهُمَا سَطْحٌ وَاحِدٌ، وَ فِيهِ مِنْهُ قُوَّةٌ هَاضِمَةٌ، فَإذَا لَاقَى الْمَمْضُوغَ أَحَالَهُ إِحَالَةً مَا، وَيُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ الرِّيقُ الْمُسْتَفِيدُ بِالنُّضْجِ الْوَاقِعُ فِيهِ حَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ، وَ لِذَلِكَ مَا كَانَتِ الْحِنْطَةُ الْمَمْضُوغَةُ تَفْعَلُ مِنْ إِنْضَاجِ الدَّمَامِيلِ وَ الْخَرَاجَاتِ مَا لا تَفْعَلُهُ الْمَدْقُوقَةُ [5] بِالْمَاءِ وَ الْمَطْبُوخَةُ فِيهِ. قَالُوا: وَ الدَّلِيلُ عَلَى أنَّ الْمَمْضُوغَ قَدْ بَدَا فِيهِ شَىْءٌ مِنَ النُّضْجِ أنَّهُ لا يُوجَدُ فِيهِ الطَّعْمُ الأَوَّلُ، وَ لا رَائِحَتُهُ [6] الأُولَى، ثُمَّ إذَا وَرَدَ عَلَى الْمَعِدَةِ، انْهَضَمَ الانْهِضَامَ التَّامَّ لا بِحَرَارَةِ الْمَعِدَةِ وَحْدَهَا
[1] ط، آ، ج:- أى حال صلاحه.
[2] ط، آ، ج:- أن يبحثوا فيها اذ ليست من صناعتهم.
[3] ط، آ، ج: بالفلاسفة. ب: بالحكماء.
[4] ط:+ منه.
[5] ط:+ المبلولة.
[6] ط، ج: رايحة. ب، آ: رائحته.