نام کتاب : رسالة في النفس و بقائها و معادها نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 186
الفصل الثّاني فى بقاء النفس بعد بوار البدن
اعلم أن الجوهر الّذي هو الإنسان فى الحقيقة لا يفنى بعد الموت، و لا
يبلى بعد المفارقة عن البدن، بل هو باق لبقاء خالقه تعالى، و ذلك لأن جوهره أقوى
من جوهر البدن، لأنه محرك هذا البدن و مدبره و متصرف فيه، و البدن منفصل عنه تابع
له، فإذن لم يضر مفارقته عن الأبدان وجوده، إذ البدن موجود باق بعد الموت، فإذن لا
يضر وجود النفس، و بقاؤه كان أولى. و لأن النفس من مقولة الجوهر، و مقارنته مع
البدن من مقولة المضاف، و الإضافة أضعف الأعراض لأنه لا يتم وجودها بموضوعها، بل
يحتاج إلى شيء آخر و هو المضاف إليه، فكيف يبطل الجوهر القائم بنفسه ببطلان أضعف
الأعراض المحتاج إليه؟ و مثاله أن من يكون مالكا لشيء متصرفا فيه، فإذا بطل ذلك
الشيء لم يبطل المالك ببطلانه؛ و لهذا فإن الإنسان إذا نام بطلت عنه الحواس و
الإدراكات و صار ملقى كالميت؛ فالبدن النائم فى حالة شبيهة بحال الموتى، كما قال
رسول اللّه عليه السلام: «النوم أخو الموت». ثم إن الإنسان فى نومه يرى الأشياء و
يسمعها، بل يدرك الغيب فى المنامات الصادقة بحيث لا يتيسر له فى اليقظة. فذلك
برهان قاطع على أن جوهر النفس غير محتاج إلى هذا البدن، بل هو يضعف بمقارنة البدن
و يتقوى بتعطله، فإذا مات البدن و خرب تخلص جوهر النفس عن جنس البدن. فإذا كان
كاملا بالعلم و الحكمة و العمل الصالح انجذب إلى الأنوار الإلهية، و أنوار
الملائكة، و الملأ الأعلى، انجذاب إبرة إلى جبل عظيم من المغناطيس، و فاضت عليه
السكينة، و حقت له الطمأنينة، فنودى من الملأ الأعلى:
«يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً
مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَ ادْخُلِي جَنَّتِي».
نام کتاب : رسالة في النفس و بقائها و معادها نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 186