الفصل الثالث من المقالة العاشرة فى العبادات و منفعتها فى الدنيا
و الآخرة
ثم إن هذا الشخص الذى هو النبى ليس مما يتكرر وجود مثله فى كل وقت؛
فإن المادة التى تقبل كمال مثله تقع فى قليل من الأمزجة؛ فيجب لا محالة أن يكون
النبى صلى اللّه عليه و آله و سلم قد دبّر لبقاء ما يسنّه و يشرعه فى أمور المصالح
الإنسانية تدبيرا عظيما. و لا شك أن القاعدة فى ذلك هى استمرار الناس على معرفتهم
بالصانع و المعاد، و حسم سبب وقوع النسيان فيه مع انقراض القرن الذى يلى النبى صلى
اللّه عليه و آله و سلم، فيجب أن يكون على الناس أفعال و أعمال يسن تكرارها عليهم
فى مدد متقاربة حتى يكون الذى ميقاته مطّل مصاقبا للمنقضى منه، فيعود به التذّكر
من رأس؛ و قبل أن ينفسخ يلحق عاقبه.
و يجب أن تكون هذه الأفعال مقرونة بما يذّكر اللّه و المعاد لا
محالة، و إلّا فلا فائدة فيها، و التذكير لا يكون إلّا بألفاظ تقال، أو نيات تنوى
فى الخيال، و أن يقال لهم: إن هذه الأفعال تقرب إلى اللّه تعالى، و يستوجب بها
الخير [1]