و بالحرى أن نحقق ههنا أحوال الأنفس الإنسانية إذا فارقت أبدانها [1]، و أنها إلى أية حال ستصير، فنقول:
يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو منقول من الشرع و لا سبيل إلى إثباته إلّا من
طريق الشريعة و تصديق خبر النبوة و هو الذى للبدن عند البعث
[2]، و خيرات البدن و شروره معلومة لا تحتاج إلى
[1] - أي أبدانها العنصرية لا الأخروية، لأنّ النفس لها أبدان
كثيرة طولية و التفاوت بينهما بالكمال و النقص، و مفارقتها عن أبدانها مطلقا لا
تساعدها شواهد البرهان. منها أنّ النفس مظهر و آية عظمى لبارئها، و البارئ جلت
عظمته لا يخلو عن مظاهره و مجاليه، لأنّ الربّ المطلق بلا مظاهر لا يصحّ عقلا
التفوّه به، و كذا العقول و النفوس قاطبة، إلّا أنّ المؤيد بتأييداته تعالى يفرق
بين التعلق التدبيري التكميلي و بين التعلق التدبيري الاستكمالي، و قد أشرنا في
هذه الجمل إلى كنوز رموز يغتنمها من أخذت الفطانة بيده.
و أما البدن في قوله الآتي: «و هو الذي للبدن عند البعث» فهو البدن
الأخروي و الظرف ناصّ عليه، و لذا قال صدر المتألهين في شرح الهداية الأثيرية ص
376 ناظرا إلى قول الشيخ هذا و مفسّرا إياه: «إنّ المعاد على ضربين: ضرب لا يفي
بوصفه و كنهه إلّا الوحي و الشريعة و هو الجسماني باعتبار البدن اللائق بالآخرة و
خيراته و شروره ...».
[2] - الظرف أعني «عند البعث» نصّ على أنّ المراد من البدن هذا هو
البدن الأخروي. و غرض الشيخ العظيم من قوله: «و خيرات البدن ...» بيان كون الجزاء
وفاقا للعمل، و سرّ ذلك