الفصل السابع من المقالة التاسعة فى العناية و بيان و كيفية دخول
الشر فى القضاء الإلهى[1]
و خليق بنا إذا بلغنا هذا المبلغ أن نحقق القول فى العناية، و لا
يشكّ أنه قد اتضح لك مما سلف منا بيانه أن العلل العالية لا يجوز أن تكون تعمل
[1] - البحث عن العناية و بيان كيفية دخول الشر في القضاء الإلهي
ينتج أنّ الخير مقضي بالذات، و الشرّ مقضيّ بالعرض. و بذلك تدفع شبهة الثنوية
الذين لا نصيب لهم في التوحيد حيث ذهبوا إلى القول بالمبدءين: أحدهما يزدان فاعل
الخيرات، و ثانيهما أهر من فاعل الشرور. و استدلوا على ذلك بأنّا كما نجد في
العالم خيرات كذلك نجد شرورا كالقحط و الغلاء و نقص الأثمار و العيوب المشوهة و الأمراض
و الأوجاع و غيرها، و لا شكّ أنّها كائنة فى سلسلة الممكنات و الممكن لا بدّ له من
وجود علة موجبة، و محال أن تكون علة الشرور فاعل الخيرات لأن فاعل الخيرات خير محض
و لا يصدر منه إلّا خير محض، و العقل لا يجوّز صدور ضدين من فاعل واحد كما أنّ
النور لا يكون منشأ الظلمة، و لا العلم مبدأ الجهل، و لا القدرة مبدأ العجز، فلا
بدّ من وجود المبدءين.
و أجاب الحكماء عن تلك الشبهة: أولا بأنّ الشرور أعدام و العدم لا
يحتاج إلى وجود علة مستقلّة موجدة أخرى، لأنّ علة الوجود وجود و علة العدم عدم،
هذا على مشرب أفلاطون الإلهي، و قد بدأ به الشيخ في هذا الفصل. و ثانيا، إنّ تلك
الشرور و إن كانت