الفصل الرابع من المقالة التاسعة فى كيفية صدور الأفعال من المبادئ
العالية، ليعلم من ذلك ما يجب أن يعلم من المحركات المفارقة المعقولة بذاتها
المتشوّقة
و لنحقّق هذا البيان، و لنفتتح من مبدأ آخر فنقول: إن قوما لما سمعوا
ظاهر قول فاضل المتقدمين [1] إذ يقول: إن الاختلاف فى هذه الحركات و جهاتها يشبه أن يكون للعناية
بالأمور الكائنة الفاسدة التى تحت كرة القمر، و كانوا سمعوا أيضا و علموا بالقياس
أن حركات السماويات لا يجوز أن تكون لأجل شىء غير ذواتها، و لا يجوز أن تكون لأجل
معلولاتها، أرادوا [2] أن يجمعوا بين هذين المذهبين فقالوا:
إن نفس الحركة ليست لأجل ما تحت كرة القمر و لكن للتشبه بالخير المحض و الشوق
إليه. و أما اختلاف الحركات فلاختلاف ما يكون من كل واحد منها فى عالم الكون و
الفساد اختلافا ينتظم به بقاء الأنواع، كما أن رجلا خيّرا لو أراد أن يمضى فى
حاجته
[1] - يعنى به اسكندر، و راجع كتابنا «نثر الدرارى على نظم
اللئالى»، (ص 65).