فقد بان من هذا و مما سلف لنا شرحه أن واجب الوجود واحد بالعدد [1]، و بان أن ما سواه إذا اعتبر ذاته [2] كان ممكنا فى وجوده فكان معلولا، و
لاح أنه ينتهى فى المعلولية لا محالة إليه، فإذن كل شىء إلّا الواحد الذى هو لذاته
واحد، و الموجود الذى هو لذاته موجود، فإنه
[3] مستفيد الوجود عن غيره و هو أيس به، ليس فى ذاته و هذا معنى كون
الشىء مبدعا أى نائل الوجود عن غيره، و له عدم يستحقه فى ذاته مطلق، ليس [4] إنما يستحق العدم بصورته دون مادته،
أو بمادته دون صورته بل بكليته، فكليته إذا لم تقترن بايجاب الموجد له و احتسب أنه
منقطع عنه وجب عدمه بكليته، فإذن إيجاده عن الموجد له بكليته، فليس جزء منه يسبق
وجوده بالقياس إلى هذا المعنى، لا مادته و لا صورته، إن كان ذا مادة و صورة.
فالكل إذن بالقياس إلى العلة الأولى مبدع، و ليس إيجاده لما يوجد عنه
إيجادا يمكّن العدم ألبتة من جواهر الأشياء بل إيجادا يمنع العدم مطلقا فيما يحتمل
السرمد، فذلك هو الإبداع المطلق، و التأييس المطلق ليس تأييسا ما، و كل شىء حادث
عن ذلك الواحد، و ذلك الواحد محدث له إذ المحدث هو الذى كان بعد ما لم يكن، و هذا
البعد إن كان زمانيا سبقه القبل و عدم مع حدوثه، فكان شىء هو الموصوف بأنه قبله و
ليس الآن، فلم يكن يتهيأ أن
[1] - أي واحد بالشخص، لا الواحد العددي كما لا يخفى، و الشخص هو
التشخص و التعين كما قال الشيخ في أوّل الفصل الثامن عشر من رابع الإشارات: «واجب
الوجود المتعين ...».