و مما يليق أن نتكلم فيه بعد حل هذه الشبهة أنه هل الغاية و الخير
شىء واحد أم مختلف؟ و أيضا ما الفرق بين الجود و الخيرية؟
فنقول الآن: أما الشك الأول المنسوب إلى الاتفاق و العبث فنحله و
نقول: أما حال الاتفاق و أنه غاية ما فقد فرغ منه فى الطبيعيات.
و أما بيان أمر العبث فيجب أن نعرف أن كل حركة إرادية فلها مبدأ
قريب، و مبدأ بعيد، و مبدأ أبعد. فالمبدأ القريب هو القوة المحركة فى عضلة العضو،
و المبدأ الذى يليه هو الإجماع [1] من القوة الشوقية، و الأبعد من ذلك هو التخيل أو التفكر. فإذا ارتسم
فى التخيل أو فى الفكر النطقى [2] صورة ما، فتحركت القوة الشوقية إلى الإجماع خدمتها القوة المحركة
التى فى الأعضاء، فربما كانت الصورة المرتسمة فى التخيل أو الفكر هى نفس الغاية
التى تنتهى إليها الحركة و ربما كانت شيئا غير ذلك إلّا أنه لا يتوصل إليه إلّا
بالحركة إلى ما تنتهى إليه الحركة، أو تدوم عليه الحركة
[3].
مثال الأول: أن الإنسان ربما ضجر عن المقام فى موضع ما، و تخيل فى
نفسه صورة موضع آخر فاشتاق إلى المقام فيه فتحرك نحوه و انتهت حركته إليه، فكان [4] متشوّقه نفس ما انتهى إليه تحريك
القوى المحركة للعضلة.
و مثال الثانى: أن الإنسان قد يتخيل فى نفسه صورة لقائه لصديق له
فيشتاقه فيتحرّك الى المكان الذى يقدّر مصادفته فيه، فتنتهى حركته إلى ذلك