وعبر طبقات متقادمة في الرواة من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أو الحسنين عليهما السلام فضلًا عن عهد زين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام فضلًا عن الأئمة اللاحقين عليهم السلام، شاهد على انتشار البحث المعرفي حول دقائق الأسرار ولطائف البصائر منذ ذلك الزمن.

فوجود ظاهرة الغلاة والغلوّ ولو كالطعن الصادر من المخالفين ومن وسط الرواة ذوي الطابع الكلامي الفقهي- منذ تلك الأزمنة- شاهد على أن مستوى البحث المعرفي العقائدي لم يكن سطحياً كما يتصوّر، و أن العمق حادث في القرن الثالث أو الرابع والخامس.

كما أنّ وجود ثلة من الحواري لأمير المؤمنين عليه السلام ممن أعطوا علم المنايا والبلايا وغيرها من علوم غرائب القدرة كميثم التمار ورشيد الهجري وأمثالهم كجابر بن يزيد الجعفيوالمفضل بن عمر الجعفي ومحمد بن سنان وكثير من غيرهم في تلك الطبقات هو الشاهد الثالث على علوّ مستوى البحث المعرفي والعقائدي في زمن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

والشاهد الرابع: أنا قد ذكرنا في طابع المدرسة القمية أنّ هناك تيار كبير أصيل، من أصحاب الجواد عليه السلام والعسكريين قد كانوا يدمنون رواية المعارف العالية ودقائقها ورعاية نقل كتبها.

والشاهد الخامس: ما يلاحظ ممّا رواه الفريقان من ظواهر تعامل المسلمين والمؤمنين مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم وأهل بيته عليهم السلام مما تعكس عمق في المعرفة في الجملة بمقاماتهم الملكوتيّة؛ نظير ازدحام الناس على التبرك بفضل وضوء رسول اللَّه، حتى الشافعي حكم بطهارة بول ودم النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما حكاه العلامة في التذكرة، لأنّ بعض المسلمين ممّن عاصروا رسول اللَّه أقدموا على شربهما [1] فقد روى الحاكم

[1] . تذكرة الفقهاء 1/ 49 و 57، وراجع: فتح العزيز 1/ 178- 179، والوجيز 1/ 7.