معنى خفي للغلوّ

يظهر من ابن الغضائري والنجاشي في جملة من موارد تراجم الرواة أنّهما يطلقان الغلوّ على التصلّب في البراءة من الشيخين والخلفاء الثلاثة وأعداء أهل البيت من بني أمية وبني العباس وقد التزم بهذا المعنى من الغلو البترية كما سيأتي في الجزء اللاحق، بل إنّ هذا المعنى من الغلوّ قد دأب عليه أرباب الجرح والتعديل من العامّة فإنّهم إذا رأوا من الراوي رواية مثالب الخلفاء وجماعة السقيفة طعنوا عليه بالغلوّ في أهل البيت عليهم السلام، أي أنّه غالى في التمسّك بولاية العترة إلى درجة جعلته يتشدّد في البراءة من أعدائهم وأنّ ذلك نابع من عظمة ولاية أهل البيت عليهم السلام وقدسيتها عنده، فإنّه لولا تعاظم مكانة الولاية لهم عندهم لما استحقّ أعدائهم هذا النكير والطعن إذ لا يعدو الاختلاف بين العترة ومناوئيهم من كونه اختلافاً يعتاد وقوعه بين البشر فيما بينهم، فالمبالغة في الطعن على أعدائهم مبنيّة على أنّ ولايتهم ركن الدين والإيمان فهذا هو الغلوّ عندهم.

ومن الموارد الّتي طعن فيها ابن الغضائري والنجاشي بالغلوّ ما ذكراه في صاحب كتاب الاستغاثة من بدع الثلاثة عليّ بن أحمد الكوفي حيث إنّ في هذا الكتاب قد استقصى المؤلف كلّ البدع الّتي أحدثها الخلفاء وبدّلوا فيها سنّة النبي صلى الله عليه و آله.

وكذلك في محمد بن الحسن بن شمّون حيث رماه بالغلوّ وفساد المذهب وذكر أنّه روى رواية عن داود الرقي عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه سمع أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «سواء على الناصب صلّى أم زنى».