الأصل الثالث، ثمار التوسّع في المناهج الرجالية

لا يخفى أنّ هناك آثاراً وفوائد جمّة كثيرة بين الاقتصار على المنهج المعروف السائد في الآونة الأخيرة وهو الاكتفاء على الأصول الرجالية الستّة والفتوى الرجالية المودعة فيه، وبين التوسّع في رحاب المناهج الرجالية الأخرى التي توقف الباحث على حياة المفردة الرجالية عن كثب وقرب وتطلّعه لمعايشة كثير من جوانب شخصيّة الراوي بحرارة وبتحسّس مشهد تلك الجوانب، فتتجلّى ملامح تلك الشخصية بوضوح في سلوكها العلمي ودأبها المعيشي، والبيئة التي ترعرعت بها ودائرة علاقاتها وموطنها وأسفارها ومدّة العمر الذي عاشته تلك الشخصية وأقرانها وزملائها، نظير البحث التاريخي الموسّع الذي يسافر بالباحث ويخترق به حجب القرون ليوصله إلى التفرّج على الحقب التي يعيشها الراوي بنفسه. وهذا بخلاف المنهج المعمول فإنّه مقتضب مختزل في جفاف من المواد ولا يلمس الباحث بشخصية الراوي إلّاعلى مستوى السطح من دون الغور في المعرفة بحرارة لأبعاد تلك الشخصية؛ فكم فرق بين هذا المنهج والمناهج الأخرى. بل إنّ تلك المناهج توجب للباحث علماً بالشخصية الروائية والمفردة الرجالية من جوانب عديدة لا يتسنّى للمعاصرين لتلك الشخصية التفطن بها بل تكون في الغالب محجوبة عنهم، فضلًا عن التبعية الظنية لأقوال أصحاب الجرح والتعديل.