فهو يشير إلى المقام الغيبيّ لعلم الكتاب، وبقيّة المقامات الغيبيّة الاخرى.
المحطّة الثالثة: المراد بالمُلك العظيم:
ما المراد بالملك العظيم الذي أوتي آل إبراهيم؟ مع أنّهم لم يؤتوا المُلك الظاهري عدا يوسف عليه السلام، ومع ذلك لا يوصف ما أوتي يوسف عليه السلام بالملك العظيم، نعم ذلك قد تحقّق في سليمان عليه السلام، وعليه فلم ينقل لنا تاريخ النبوّات أنّ إبراهيم أو إسماعيل أو إسحاق أو يعقوب عليهم السلام قد تسنّموا مُلكاً بحسب السطح المعلن الظاهر، ولم تكن بيدهم زمام القدرة الرسميّة البارزة.
و هذا التساؤل بعينه قد أثير في قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فإنّ هذا الإخبار من اللَّه تعالى بأن جعله إماماً لابدّ أنّه قد تحقّق، ومع ذلك فلم يُنقل لنا أنّ إبراهيم قد تسلّم زمام سلطة ودولة.
وللإجابة عن ذلك نقول: إنّ التاريخ قد خلّد لإبراهيم عليه السلام ظاهرة تعجز عن القيام بها حضارات، فضلًا عن دول، وهي ظاهرة انتشار ملّة التوحيد الحنيفيّة، وتغيير كثير من المجتمعات البشريّة، التي عاش في وسطها إبراهيم عليه السلام من الوثنيّة إلى الحنيفيّة، ولا شكّ أنّ ظاهرة تغيير العقيدة وتحوّلها تعجز عنها قدرات ودول جبّارة وحضارات